كيف يمكن تحقيق تقدم مع كوريا الشمالية

TT

عاد المبعوث الأميركي الخاص لكوريا الشمالية ستيفن بوسورث من بيونغ يانغ الأسبوع الماضي بعد إجراء محادثات لطيفة غير مألوفة هناك. وأكدت الحكومة الكورية الشمالية «على الحاجة إلى استئناف المحادثات السداسية» بخصوص نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية. ولكنها اشترطت على الولايات المتحدة وكوريا «التعاون من أجل تقليل الاختلافات الباقية» قبل أن تنضم مجددا إلى الإطار الدبلوماسي السداسي القائم، الذي انسحبت منه قبل عام، مع التنصل من كل التعهدات التي قطعتها خلال هذه المحادثات. وبصيغة أخرى، تسعى بيونغ يانغ وراء مفاوضات منفصلة مع الولايات المتحدة مع إبقاء كل الأطراف خارج العملية الدبلوماسية لمدة على الأقل.

تربط الأجندة الكورية الشمالية عملية نزع الأسلحة النووية باستكمال معاهدة سلام كورية وإقامة نظام أمني آسيوي شمالي شرقي وتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة وإزالة أي تهديد ضدها، من أي مصدر كان. وليست هذه أجندة يُراد من خلالها الوصول إلى حل سريع. وعلى الرغم من أن النبرة الكورية الشمالية تصالحية، يبدو أن أجندتها تسعى إلى كسب الوقت وبذر الشقاق بين صفوف الأطراف الخمسة الآخرين.

لقد حان الوقت كي نواجه الحقائق كما هي. هذا هو العام الخامس عشر الذي تسعى خلاله الولايات المتحدة إلى إنهاء البرنامج النووي الكوري الشمالي من خلال المفاوضات، وحدث ذلك من خلال مفاوضات ثنائية وسداسية. ولم تتغير النتيجة بغض النظر عن الإطار. وخلال هذا الوقت، قامت بيونغ يانغ بتعليق العمل في منشآتها النووية مرتين، وفي كل مرة كانت تستأنف العمل بقرار أحادي الجانب، وقامت باختبار تفجيرات نووية وصواريخ طويلة المدى مرتين خلال فترات بينية بين المفاوضات. وإذا استمر هذا الوضع، فإن العمل الدبلوماسي سوف يتحول إلى وسيلة لإضفاء الشرعية على نشر الأسلحة النووية بدلا من وقفها. لماذا يجب على بيونغ يانغ أن تغيّر من نهجها مع أنه خلال أسابيع من إنهاء سلسلة من الاختبارات سوف يظهر مبعوث أميركي خاص في بيونغ يانغ يدرس مستقبل انعقاد مفاوضات جديدة؟ ويجب على الأقل، وقبل بدء أي محادثات رسمية، أن يُطلب من كوريا الشمالية إعادة الأمور إلى الوضع الذي كانت عليه عندما انسحبت من المحادثات قبل عام ورفضت استقبال بوسورث، وبصورة دقيقة بعد تعليق العمل في إنتاج البلوتونيوم.

وتقول بيونغ يانغ إنه يجب معالجة مخاوفها الأمنية أولا، وأن التهديد الرئيسي لأمنها يأتي من الولايات المتحدة ولذا فإنها يجب أن تحصل على تطمينات خاصة من واشنطن قبل الدخول في مفاوضات فعلية. ولكن، ما هي التطمينات الثنائية التي يمكن أن تخدم ذلك؟ لا يمكن أن يحدث ذلك إلا من خلال إقامة نظام أمني آسيوي شمالي شرقي ويحتاج ذلك إلى محادثات سداسية.

وليست بيونغ يانغ ساذجة بالصورة التي تجعلها تحسب أنه يمكنها تحقيق أمنها عن طريق التهديد بتوجيه ضربة نووية ضد الولايات المتحدة. والأكثر ترجيحا أن كوريا الشمالية تسعى للحصول على اعتراف بها كدولة نووية حتى يمكنها ترويع كوريا الجنوبية واليابان، اللتين تترددان حتى الآن في الانضمام إلى عملية نشر الأسلحة النووية. ويمكنها أيضا أن تحصل على دعم من خلال مساعدة برامج تسليح، كما قامت مع باكستان وسورية، التي بنت لها مصنعا كمصنع البلوتونيوم الخاص بها. ويبدو أن كوريا الشمالية تعمل أيضا على طيار آلي لدرجة أنه في الوقت الذي كان بوسورث فيه داخل بيونغ يانغ، أقلعت طائرة محملة بكمية كبيرة من الأسلحة إلى جنوب آسيا، حيث تم اعتراضها في بانكوك. وفي لحظاتها الأكثر حيوية، ربما ترى بيونغ يانغ نفسها في مكان يمكّنها من جعل بكين وواشنطن في مواجهة مع بعضهما بعضا.

جميع المشاركين الآخرين في المحادثات السداسية لديهم مصلحة في إنهاء تهديد نووي بسرعة، بينما تهتم بيونغ يانغ بوقف المفاوضات لأطول وقت ممكن. وهذا هو ما يجعل أي محادثات أميركية ثنائية مع بيونغ يانغ تقويضا لوحدة الأربعة الباقين. وسوف تشعر كوريا الجنوبية بالاستياء من انعقاد محادثات سلام تكون فيها كوريا الشمالية طرفا في مفاوضات ثنائية وتُقصى عنها سيول. ولن تهدأ مخاوف اليابان المرتبطة بمواطنيها الذين اختطفتهم كوريا الشمالية واستخدموا قسرا لتدريب عناصر استخباراتية كورية شمالية.

ووضع الصين أكثر تعقيدا، فقد أدانت الصين بيونغ يانغ بشدة لإجرائها تجارب نووية. ولكنها أكثر حساسية مقارنة بشركائها إزاء خطر زعزعة استقرار الهيكلة السياسية داخل كوريا الشمالية. ويجب احترام وجهات النظر الصينية بخصوص قضية قريبة جدا من حدودها وتؤثر على مصالحها بصورة مباشرة. ولكن في النهاية، فإن إشارة تحفظ ماء الوجه لصالح بيونغ يانع سوف تكون ذات مغزى كمرحلة انتقالية مؤقتة إلى المفاوضات السداسية.

وسيكون الاختبار في إحراز تقدم هام في الموضوع الرئيسي: إزالة مقدرات صنع أسلحة نووية. وبالنظر إلى التقدم التقني المستمر في بيونغ يانغ، التي تدعي أنها أضافت منشأة تخصيب نووي إلى برنامج البلوتونيوم الخاص بها، سنجد أهمية كبيرة لعنصر الوقت. بيان التطمينات الأمنية والاقتصادية المتبادل قائم، ويجب على الولايات المتحدة أن تقدم مساهماتها، من دون قبول تعريف نفسها بأنها تهديد خاص. وفي النهاية، فإن الخطر الأعظم الذي يتهدد بيونغ يانغ ليس العدوان الخارجي ولكن الانهيار الداخلي الذي تتسبب فيه طموحاتها المفرطة. ولا توجد حاجة لمعرفة المزيد عن نوايا بيونغ يانغ، حيث تقدم المفاوضات السداسية فرصة جيدة للتعامل مع القضايا. ويناسب الحال المقولة الشهيرة المأثورة عن نابليون: «إذا كنت تريد أخذ فيينا، خذها».

* خدمة «تريبيون ميديا»

خاص بـ«الشرق الأوسط»