معارض وعواصم الكتاب

TT

هل للكتاب عاصمة؟ هذا ما تحاول أن تقوله العاصمة اللبنانية بيروت بأن تذكّر الناس دائما من خلال معرض الكتاب السنوي الذي يقام فيها تحت مسمى معرض بيروت الدولي للكتاب.

ولقد أثارت تسمية بيروت بأنها «عاصمة الكتاب العربي» جدلا لدى البعض من ضمنهم الناشر السوري الكبير رياض نجيب الريس الذي اتخذ من بيروت نفسها مقرا لأعماله ودار نشره، فهو علق ساخرا على ذلك بقوله: «وهل الكتاب بحاجة إلى عاصمة».

المعرض بمجمله يحتل مساحاته بشكل أساسي دور النشر اللبنانية وهي تشكل عددا لا يُستهان به من دور النشر العربية، ولكن هناك غيابا شديد الوضوح لدور النشر المصرية والأردنية والسورية والسعودية والمغربية التي كانت دوما تشكل ثراء وتكاملا مميزا في محافل الكتب العربية.

بيروت تقليديا كانت مركز ثقل مهم في مسألة نشر الكتاب وطباعته، وعمل اللبنانيون جهدهم على تحسين مستوى الطباعة وجودة التغليف والتصميم (وإن كانوا لم يراعوا مثل غيرهم في العالم العربي حقوق الملكية الفكرية، فنجد أكثر من مطبعة تستولي على حقوق المؤلفين غير اللبنانيين بإعادة طبع مؤلفاتهم بلا إذن منهم!)، كما اهتموا بالتوزيع والتسويق (دون الترويج والإعلان، فهم اكتفوا بتناقل خبر الكتاب دون الدعاية له). قيل قديما إن القاهرة تؤلف وبيروت تطبع وبغداد تقرأ، هذا إلى حد كبير لا يزال صحيحا، وإن هناك «ثقلا» سعوديا خليجيا قد دخل على هذه المعادلة ليصبح أيضا السعودي يؤلف ويطبع ويقرأ هو الآخر!

وهذا واضح من نسب المشاركة للكاتب وللقارئ السعودي في معارض الكتاب المختلفة سواء أكان بالقاهرة أو بيروت أو الشارقة أو البحرين وطبعا في المناسبة الكبيرة ببلاده.

في معرض الرياض للكتاب الذي تحول إلى احتفالية كبرى للكتاب والنشر على مستوى العالم العربي بأسره. وهذه السنة هناك عناوين لافتة ومميزة نالت إعجاب القارئ ومتابعات النقاد ولعل أبرزها كان كتاب الكاتب اللبناني المميز حازم صاغية بعنوان ساخر وجذاب هو «نانسي ليست كارل ماركس»، وعلى غلاف الكتاب صورتان متداخلتان للمفكر الشيوعي كارل ماركس والمغنية اللبنانية نانسي عجرم، وفيه يستعرض صراع الآيديولوجيات القديمة والجديدة ويخلط في تحليله بين الجاد والهزلي مقدما ومستشهدا بنماذج تتفاوت ما بين أم كلثوم وابن خلدون وعبد الناصر وماركس وهيفاء وهبي ونانسي عجرم.

والكتاب الصادر عن دار «الساقي» يقدم تشريحا مميزا لحال الآيديولوجيات وأسلوب «اللعب» بها لصالح الاستهلاك العام والمسيس والموجه.

وعن دار «النهار» صدر كتاب «وادي أبو جميل» للكاتبة اللبنانية ندى عبد الصمد، وهو يقدم مجموعة قصص وحكايات عن يهود مدينة بيروت بأسلوب شائق وممتع، وهناك طبعا مجموعة كبيرة من العناوين اللافتة في مجالات الدين والسياسة والتاريخ وهي المجالات التي دائما ما كانت أهم لجذب القارئ العربي عموما، ولكن هناك غيابا غير مفهوم لكتب الأطفال والكتاب العلمي وبشكل فاضح هناك غياب تام للكتاب الاقتصادي وهي المادة الهامة لمنطقة من المفروض -نظريا على الأقل- أنها مؤثرة وفاعلة على خارطة الاقتصاد العالمي على أقل تقدير. هناك «تعلق» مهول بالماضي ومواضيعه واجترار كبير لنفس العناوين وتقليب مستمر لفروع هذه المواضيع دون التطرق إلى الغد وآفاق المستقبل ومحاولة استشراف ما هو آت إلا إذا استثنينا من ذلك ما يتم طرحه من مؤلفات تنحصر في عالم الأبراج والفلك وتنبؤات وتوقعات العام الجديد.

هناك زيادة واضحة في أعداد الكتب المترجمة وخصوصا التي تصدر باللغة الإنجليزية، ولا يزال هناك عزوف عن ترجمة الإصدارات اللافتة باللغات الألمانية والفرنسية والإسبانية واليابانية والصينية والروسية مثلا.

وليس هناك جهد حقيقي للكتاب «البديل» سواء أكان الصوتي المقروء على أقراص مدمجة والكتاب الإلكتروني، وهما ظاهرتان حقيقيتان أصبحتا أساسيتين كخيار للمشتري يقدَّم من قِبل دور النشر.

معارض الكتاب العربي هي «ترمومتر» لقياس الحال الثقافي ومعرفة درجات التطور فيه، بالقياس الحالي يبقى التطور هو في الجانب الكمي فقط ويبقى الأمل في أن ينال الجانب النوعي نفس درجة الاهتمام.

[email protected]