التحدي الأكبر!

TT

أصدرت المملكة العربية السعودية الميزانية الأضخم في تاريخها، لكن اللافت في الميزانية، بعيدا عن تفاصيل الأرقام التي يعرفها الاقتصاديون، كان كلام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عن أن الميزانية راعت التنمية البشرية وتوفير مزيد من الوظائف، وحديثه كذلك عن ضرورة التنفيذ والرقابة. وأكبر تحدٍ، بل قل خطر، داخلي يواجه الدول العربية كلها اليوم هو خلق الوظائف والرقابة، والمقصود بالرقابة هو رقابة التنفيذ، والحد من الفساد، والتلاعب بالأسعار.

فلا يمكن أن تتحول، أو تتحمل، الدولة العربية، أيا كانت، توظيف كل من يطلب وظيفة عمل، خصوصا أن نسبة الشباب من إجمالي السكان العاطلين تزيد على 50% بالنسبة لمعظم الدول العربية، مما يجعل معدل البطالة بين الشباب في الدول العربية الأعلى في العالم كله. إلا أن واجب الدولة العربية هو خلق الوظائف، وهي عملية ليست سهلة، فليس المطلوب خلق وظائف وحسب، بل يجب أن تكون وظائف مجدية، ولها فائدة على الاقتصاد الوطني، وليس بطالة مقنعة.

وهذا أمر يتطلب إصلاحا حقيقيا للأنظمة التعليمية لتلائم متطلبات السوق، ومرونة عالية في التشريعات الاقتصادية التي تسمح بإنجاز المشاريع، وإطلاقها، والمسألة لا تخلو من حاجة ماسة لاقتصاد خلاق يقبل الأفكار الجديدة ويدعمها، والتي لا تعني دعما ماليا وحسب، بل كما أسلفنا مرونة في التشريعات، والأنظمة القضائية، وتغيير مفاهيم اجتماعية عما هو مقبول وغير مقبول من الوظائف، وضرورة العمل من سن مبكرة، المرحلة الثانوية والجامعية، وتشجيع مفهوم العمل التطوعي، وتحديد حد أدنى مقبول للرواتب في جميع المهن التجارية، وتشجيع ثقافة التدرج في العمل، مثل أن يعمل الطالب فترة الجامعة في مطعم أو متجر، أو خلافه، مع ضرورة وجود نظام صارم لحقوق الملكية الفكرية لحماية الأفكار الخلاقة في كل شيء، من الأزياء والتصميم وحتى التكنولوجيا، وكل ذلك يستدعي رقابة صارمة.

والرقابة بالطبع لا تعني البيروقراطية المقيتة، حكوميا، أو التراشق وزيادة الاحتقان الاجتماعي، إعلاميا، بل المقصود الرقابة المسؤولة بوعي من قبل الأجهزة الحكومية، وكذلك من قبل وسائل الإعلام، لضمان إنجاز وسلامة المشاريع، أكثر من تصيد الأخطاء، فالمطلوب أن تفعّل أجهزة الرقابة الحكومية والمدنية، من حماية المستهلك، وغيرها، لضمان محاربة الفساد، والتأكد من الإسراع في إنجاز المشاريع، وحماية حقوق الناس، ومراقبة التلاعب في الأسعار، وهو الأمر الذي استشرى في دولنا العربية، وبمستويات مختلفة.

هذان هما الخطران اللذان يتهددان الدول العربية اليوم، وكل يوم يمضي دون التصدي لهذين الأمرين يعني صعوبة القادم من الأيام، خصوصاً أن كثيرا من الدول العربية تعاني من انفجار سكاني، وتمركز في المدن، مع هجرة للريف، مما يفاقم من أزمة البطالة، وتوزيع التنمية، خصوصا أن تقرير التنمية العربية الصادر من الجامعة العربية يذكرنا بأن التحدي العربي يتمثل بضرورة توفير 51 مليون فرصة عمل جديدة خلال السنوات العشر القادمة، وهذا أمر ليس بالسهل على الإطلاق.

ولذا نقول إن الخطر الحقيقي الذي يهدد الدول العربية، داخلياً، هو خلق الوظائف ومعركة الرقابة، وهما أمران لا يمكن التهاون معهما.

[email protected]