الشراكة مع الولايات المتحدة تعزز سيادة باكستان

TT

كانت العلاقة بين الولايات المتحدة وباكستان دائما معرضة للاضطراب، كما أنهما كانتا دائما بحاجة لفكرة توحد صفوفهما وتجمع بينهما في تلك المعركة بأفغانستان. حسنا، هذا هو أحد المفاهيم الاستراتيجية، الذي كنت أعمل عليه مع المسؤولين في كلتا الدولتين؛ والذي يفيد بأنه من خلال الشراكة مع الولايات المتحدة تستطيع باكستان لأول مرة في تاريخها استعادة سيادتها على المناطق القبلية؛ مما يمكنها في النهاية من استكمال مهمة بناء دولتها. وهو ما يعد مثالا تقليديا على ما يطلق عليه الخبراء الاستراتيجيون لعبة «حاصل الجمع الإيجابي»؛ أي إنه بالتعاون معا، تحصل كل منهما على مميزات لا تستطيع أي منهما تحقيقها بمفردها. ولكن بدلا من التعاون، كانتا تتبادلان رسائل غاضبة خلال الشهر الماضي؛ مثلما حدث عندما طلبت الولايات المتحدة من باكستان مساعدتها على إغلاق الملاذ الذي تلوذ به طالبان وكان رد باكستان: «لا تخبرونا بما يجب علينا فعله». ولكن الحقيقة الصريحة والصعبة هي أن نجاح الولايات المتحدة في أفغانستان يعتمد إلى حد كبير على سيادة باكستان على ذلك الحزام القبلي. فإذا استمر المتمردون في الحصول على ملجأ في منطقة شمال وزيرستان وغيرها من المناطق القبلية، فلن تحقق زيادة الرئيس أوباما لعدد الجنود في أفغانستان النتائج المرجوة منها. فالأمر بهذه البساطة. فإدارة أوباما تريد أن تتخذ باكستان قرارا حاسما؛ وهذا هو السبب الذي دفع مستشار الأمن القومي، جيم جونز، لزيارة المكان هنا خلال الشهر الماضي. وهذا هو ما دفع الجنرال ديفيد بترايوس القائد الأعلى للقيادة المركزية الأميركية، والأدميرال مايك مولان رئيس هيئة الأركان المشتركة لزيارتها خلال الأسبوع الحالي. ولكنهم وجدوا في مواجهتهم حالة التشكك الباكستاني. فيقول أحد المسؤولين بالسفارة الأميركية في إسلام آباد: «يتعلق الأمر بانعدام الثقة والخيانة». فيجب أن يطرق الأميركيون بابا مفتوحا».

وثاني الحقائق القاسية أن باكستان لن تستعيد ثقتها في ذاتها وتتحول إلى دولة حديثة بالكامل ما لم تفرض نفوذها على تلك المناطق القبلية؛ لأنهم يخشون، نظرا لافتقارهم لتلك السيطرة على نحو دائم، من انفصام عرى الوحدة القومية.

والعجيب أن الحرب الأميركية في أفغانستان هي التي تمثل اللحظة الذهبية لباكستان كي تحقق ما كانت تفتقر إليه منذ الاستقلال في 1947، وهو السيطرة السياسية والعسكرية على حزام البشتون القبلي. فحتى الاحتلال البريطاني تجنب ذلك التحدي، مفضلا وجود نظام مرن من الحكم القبلي في تلك المناطق، مما جعل المناطق الحدودية مرتعا للصوص. ولم يعد ذلك الوضع مقبولا في وقت التهديدات بالإرهاب النووي.

وبوجود جيش قوي في أفغانستان، توفر الولايات المتحدة لباكستان فرصة نادرة؛ فإذا ما تعاونت القوتان العسكريتان عبر الحدود على مدار الساعة، ستصبح الحرب التي تبدو مستحيلة تحت السيطرة. وربما تصبح الحرب ضد متمردي البشتون هي الفصل الأخير لتحويل باكستان وأفغانستان إلى دولتين معاصرتين. وعلى سبيل المقارنة، تذكر كيف ساعدت الحرب المكسيكية الأميركية الولايات المتحدة على أن تصبح أمة كبرى، أو كيف ساعدت الحروب الأوروبية في القرن التاسع عشر على توحيد ألمانيا وإيطاليا. كما أن البديل في الحقيقة - دولة «باشتونستان» التي تجمع بين دولتين - سيكون الوصفة المثالية لاستمرار النزاعات. ولتلك الرؤية التي تتعلق بباكستان ذات السيادة على كافة الأراضي التابعة لها نتيجتان مهمتان: الأولى، إنشاء سوق مشتركة بين باكستان وأفغانستان يمكنها دفع التنمية الاقتصادية في كلتا الدولتين، والثانية، تقليل حدة التوتر بين الهند وباكستان التي لن يكون لديها مخاوف بشأن النزاعات والقلاقل. لقد كان واضحا خلال الشهور القليلة الماضية أن الجماهير الأميركية والباكستانية لديها تخوفات حول الحرب، وأنها تبحث عن رؤية جديدة لتبرير تلك التضحيات. وما نحتاجه الآن هو عملية مثل الحوارات الاستراتيجية في 1944، عندما كان الحلفاء في الحرب العالمية الثانية يصعدون حملتهم ضد ألمانيا النازية واليابان الإمبريالية؛ حينما بدأ رجال الدولة الأميركيون والأوروبيون التخطيط لتبعات السلام. وهو ما أسفر عن إنشاء شبكة من المؤسسات التي يمكنها توفير الأمن في عالم ما بعد الحرب والتي منها؛ الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي. تلك هي الرؤية وذلك هو النضج الذي تحتاج كل من الولايات المتحدة وباكستان إليهما الآن.

ربما تبدو حروب أفغانستان - باكستان مغامرة متهورة ولكن إذا ما تم وضعها في الإطار الاستراتيجي الملائم، فسوف تمثل جهدا مشتركا لخلق بنية مستقرة لآسيا الوسطى والجنوبية في القرن الحادي والعشرين. والنتيجة ستكون عظيمة خاصة بالنسبة لباكستان. ولكي نفهم لماذا يبدو ذلك الصراع منطقيا، على الناس أن يروا الفكرة العظيمة التي يقبع خلفها استقرار المنطقة القبلية غير الخاضعة للقانون والتي كانت تثير المشكلات طوال الـ150 عاما الماضية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»