الأدلة العلمية على التغير المناخي

TT

لا أستطيع التغاضي عن بعض الأشياء التي كتبها بعض زملائي أو طلبوها في رسائل البريد الإلكتروني التي تمت سرقتها مؤخرا من وحدة أبحاث المناخ بإحدى الجامعات البريطانية. ولكن تلك الرسائل لا تنفي كون التغير المناخي الناتج عن النشاطات الإنسانية حقيقة علمية. لقد كانت تلك الرسائل المسروقة ملغمة بالكلمات والعبارات التي يمكن تحريفها لتشويه ما كان العلماء يناقشونه بالفعل. فعلى سبيل المثال ذكرت سارة بالين، حاكمة ألاسكا السابقة، في 9 ديسمبر (كانون الأول) أن: «هذه الرسائل تعكس تلاعب خبراء التغير المناخي بالبيانات «لإخفاء انخفاض» درجات الحرارة على مستوى العالم»، إلا أن الرسالة الإلكترونية التي تستشهد بها تمت كتابتها في عام 1999 أي في العام التالي للعام الذي شهد أكثر السنوات ارتفاعا في درجات الحرارة. وبالتالي فلا يمكن الاستخلاص من ذلك أن درجات الحرارة كانت تنخفض خلال العقد بأكمله لأن ذلك زعم خاطئ (حيث تشير التقارير إلى أن العقد الحالي سيسجل ارتفاعا قياسيا في درجات الحرارة).

ففي إحدى الحالات، أشار الأستاذ فيل جونز من جامعة «إيست أنغيلا» إلى «خدعة» في ما يتعلق ببيانات درجات الحرارة نسبها إلى إحدى المقالات التي شاركت في كتابتها مع آخرين وتم نشرها في صحيفة «نيتشر» عام 1998.

وكنا في هذه الدراسة قد أجرينا مقارنة بين مجموعة حديثة من قياسات درجات الحرارة التي تم قياسها باستخدام الترمومتر، بالإضافة إلى مجموعة من البيانات التي ترصد فترات أطول والتي تعتمد على حسابات متغير البروكسي مثل مركز الجليد، والشعاب المرجانية، وجذوع الأشجار تم رصدها في 1980. و«الخدعة» (التي يقصد بها في هذا السياق استخدام حلول ذكية أو ما يعرف بالحيل المهنية)؛ هي أن تلك البيانات التي تم حسابها بمتغير البروكسي يمكن قراءتها في سياق القياسات الحديثة لدرجات الحرارة. ولا يوجد ما هو سري في ذلك، فقد تم وضع الرسوم البيانية المتعلقة بكلتا المجموعتين من البيانات على حدة وبعنوان مستقل في المقال الذي نشرته صحيفة «نيتشر» والذي يستطيع أي أحد الاطلاع عليه من خلال شبكة الإنترنت. وقد راجعت الأكاديمية القومية للعلوم ذلك العمل في 2006 من خلال دراسة نشرتها تلك الصحيفة («العقود القليلة الماضية تسجل ارتفاعا قياسيا في درجات الحرارة، وفقا لما تؤكده الدراسة»، في 23 يونيو (حزيران) 2006). ومن جهة أخرى، قال أعضاء هيئة تقييم الأبحاث العلمية إنهم «لم يروا ما يشير إلى التلاعب» وأن هذه الدراسة «كانت محاولة صادقة لتأسيس آلية لتحليل البيانات».

وفي الرسالة الإلكترونية نفسها استخدم جونز عبارة «إخفاء الانخفاض» في إشارة إلى العمل الذي قام به خبير جذوع الأشجار كيث بريفا. وذلك حيث إنه نظرا لاكتشاف علاقة قوية بين جذوع الأشجار وقياسات درجات الحرارة، تم استخدام جذوع الأشجار لرصد درجات الحرارة التي ترجع إلى مئات السنين أو أكثر. وقد وصف بريفا تلك الظاهرة التي تكشف من خلالها كثافة الأشجار عن انخفاض مبهم لقطر جذوع الشجر منذ عام 1960 وما لذلك من علاقة بدرجات الحرارة. وكان ذلك الانخفاض هو الموضوع الرئيسي لمقال بريفا، وقد أعلن بريفا أن تلك البيانات يجب ألا تستخدم لدراسة درجات الحرارة بعد عام 1960. وكان جونز يقصد بعبارة «إخفاء الانخفاض» أن ذلك الرسم البياني الذي يعكف على إنتاجه لا يشير إلى فترة ما بعد الستينات التي لا يمكن الاعتماد عليها.وقد أشعل نظريات المؤامرة التي أحاطت بتلك الرسائل الإلكترونية نظرا لانتقادهم لجودة بحثين متعلقين بالاحتباس الحراري والاقتراح المتعلق باستبعاد على الأقل أحد البحثين من تقرير اللجنة الدولية للتغير المناخي. ووفقا لما ذكرته صحيفة «نيتشر» في أحد الأعداد السابقة، فإن كتاب تلك الرسائل الإلكترونية بالإضافة إلى اللجنة الدولية للتغير المناخي لم يقفا حائلا دون أي من النتائج أو الاكتشافات. وأن كلا البحثين تم ذكرهما في تقرير اللجنة الدولية للتغير المناخي. وتعكس بعض التصريحات التي تم ذكرها في تلك الرسائل الإلكترونية أحكاما غير صائبة؛ فعلى سبيل المثال، استعان أحد الزملاء ببعض الرسائل الإلكترونية التي تم حذفها مما قد يعرضه لمساءلة قانون حرية المعلومات ولكن لا يوجد دليل على أن ذلك قد حدث بالفعل.

وبالرغم من أن بالين قالت في مقالها إن مناخ ألاسكا يشهد تغيرات؛ إلا أنها في الوقت نفسه أشارت إلى «ذوبان القمم الجليدية وتراجع الثلوج البحرية» باعتبارها «تغيرات بيئية دورية وطبيعية». وفي الحقيقة، فإن مثل تلك التغيرات تقع ضمن التغيرات التي تنبأ بحدوثها العلماء مثل ارتفاع مستويات غازات الدفيئة. كما يؤكد الدليل العلمي وجود صلة بين النشاط الإنساني والتغير المناخي؛ من خلال تلك البيانات التي تشير إلى مدى الاحتباس الحراري، الذوبان غير المسبوق للأنهار الجليدية، والارتفاع العالمي لمستوى البحار، وانتشار الجفاف، بالإضافة إلى وجود النماذج التي تتنبأ بتزامن حدوث تلك الأشياء مع النشاطات الإنسانية. وتضع تلك النماذج تصورا لتأثيرات أكثر عمقا وتدميرا على التغير المناخي إذا لم نتخذ الإجراءات التي تساعد على ثبات مستويات غاز الدفيئة. ويعتمد الإجماع العلمي حول حدوث تغيرات مناخية على عقود من العمل مع آلاف العلماء حول العالم. وقد توصلت أكاديمية العلوم القومية إلى أن وجود دليل علمي قاطع على التغير المناخي. وفي الوقت الذي يعمل فيه القادة الموجودون في كوبنهاغن على محاولة وضع طرق لمعالجة هذه الأزمة، كان المنتقدون يسعون للتشكيك في ذلك الجدال وتشويش الجماهير.

* مايكل مان هو مؤلف «التنبؤات المخيفة: فهم الاحتباس الحراري».

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»