عندما احتلت القرَدة الطائرة

TT

في رحلة من رحلاتي «المكوكية»، ولا أدري ما المكوكية وما خانتها من الإعراب! ولكنني سمعتهم يقولونها فقلتها.

أعود إلى رحلتي غير العتيدة تلك، فما إن أخذت مقعدي بالطائرة وتلوت دعاء السفر، وبعدها نطقت بالشهادتين مقدما وكأن حبل المشنقة مدلدل أمامي، حتى رأيت امرأة محترمة ومعها طفلتها التي لا يتجاوز عمرها عشر سنوات تحمل قفصا مغلقا ووضعته تحت أقدامها، ولفت نظري أنها طوال الرحلة كانت بين الحين والآخر ترفع غطاء ذلك القفص ثم تتبسم وتتحدث إلى ما في داخله بصوت خافت، إلى أن اكتشفت من صوت المواء أن ما بداخله كان قطة.

والذي دعاني إلى تذكر ذلك هو عندما جمعتني مناسبة عادية مع أحد «سيّاس الخيل»، وهو يعمل في إسطبل أحد تجار الخليج، وعرفت منه أن ذلك التاجر يشحن مجموعة منتقاة من خيله في كل صيف ويرسلها بالطائرة إلى أوروبا لتقضي هناك عدة أشهر ثم يعيدها مرة أخرى إلى بلادها بعد أن يعتدل الجو، ولا أكذب عليكم أنني حسدت تلك الخيول على ما تتمتع به من رعاية وعطف أين منها ما يلاقيه بعض أصناف البشر في حياتهم التعيسة؟! ولكنني بعد البحث والتقصّي وجدت أن ذلك الشيء ليس غريبا ولا جديدا، فهناك آلاف إن لم يكن عشرات الآلاف من الخيل تنتقل سنويا بالطائرات بين أرجاء القارات الست، بل إن الحيوانات عموما التي تنقلها الطائرات أعدادها أضعاف أضعاف ما تنقله من البشر.

فأعداد هائلة من فئران المختبرات تنقل على مدار الساعة، وكذلك الطيور بجميع أصنافها، ومنها الملايين من «الكتاكيت»، وهذه لا تُشحن إلا في نفس اليوم الذي تفقس فيه حيث إنهم يعرفون أنها تبقى 22 ساعة بعد الفقس دون طعام أو ماء معتمدة على تغذيتها من صفار البيض، فتصل سالمة.

كما أن التمساح يستطيع أن يظل أسبوعا كاملا دون طعام، ولكن يجب تزويده بالماء، وأنواع كثيرة من الزواحف لا تستطيع احتمال حرارة أقل من 20 درجة مئوية، والطيور لا تأكل في الظلام وهي في هذه الحالة تمتنع عن الأكل إلى أن تموت، لهذا راعت شركات الشحن جميع هذه الحالات، ووجدت مثلا أن الفيل يتحسن مزاجه ويهدأ إذا سمع «قرقرة» الدجاجة، لهذا لا يشحنون الفيلة إلا ومعها مجموعة من الدجاج، كما أن الخيول لا يزعجها ولا يجعلها تفقد أعصابها أكثر من صرخات القرود، وهي ترتاح جدا لمصاحبة الكلاب والقطط، ومن أجل ذلك أصبحت هناك مجموعة من الكلاب والقطط لدى شركات الشحن ولا شغلة لها إلا مرافقة الأفراس والأحصنة.

وكادت تحدث كارثة محققة لإحدى الطائرات في عام 1962، إذ كان فيها مجموعة من الركاب المسافرين، إلى جانب ما لا يقل عن 160 قردا وضعوها مع حقائب العفش، غير أن القرَدة بشكل أو بآخر استطاعت أن تفتح أبواب أقفاصها بمهارة عجيبة، وانتشرت تتقافز وتجري في أنحاء الطائرة مسببة الذعر والصياح والإغماءات بين الركاب، ومن حسن الحظ أن طاقم الطائرة تداركوا الأمر بإغلاق «كابينة» القيادة عليهم ولم تستطع القرَدة اقتحامها، والحمد لله أن المضيفات الحسناوات لم يُصَبن بسوء، وسرعان ما طلب «الكابتن» من مطار نيويورك إعطاءه الأولوية للهبوط الاضطراري، وعندما سألوه عن السبب! قال لهم: «إن القردة قد سيطروا على الطائرة، فاعتقد برج المراقبة أن الكابتن إما أن يكون سكران وإما أنه قد جن.

المهم سمحوا للطائرة بالهبوط، وعندما هبطت بسلام طوقها رجال الأمن، وهالهم منظر القرَدة التي تطل عليهم من نوافذ الطائرة. وحضرت سيارات الإسعاف ونقلت مجموعة من الركاب إلى المستشفى كان ثلاثة أرباعهم من النساء، وكان السبب هو صدمة الخوف لا أكثر ولا أقل.

[email protected]