خنادق لها جدران أيضا

TT

لم تكن الوحدة العربية مناسبة في أي «ظروف موضوعية»، على لغات الماركسيين، كما كانت بين سورية والعراق. لكن طوال القرن الماضي، كان الغرب يسعى إلى تدمير كل خطوة أو مشروع وحدوي، في مهده. لم يكن شيء ممنوعا في العقل الاستعماري، مثل وحدة العراق وسورية. فقد كان من شأنها أن تقيم قوة عسكرية واقتصادية هائلة لن تلبث أن تجتذب باقي العرب إلى خيراتها وآفاقها، وهو ما يشكل بالتالي تهديدا لإسرائيل. والغرب كان يرتعد من تلك اللحظة.

وبدل قيام الوحدة الطبيعية بين سورية والعراق قامت وحدة أقل تأهيلا بين سورية ومصر. لا يزال يلقى باللوم على «فرعونية» عبد الحكيم عامر في فشلها، لكن من يقرأ مذكرات «الباشا» محمود رياض، يكتشف بوضوح، أن الباشا محمود لعب دورا بالغ السوء في ممارسة الاستعلاء وإعطاء الدروس، خاصة في القومية، لمن كانوا أفنوا عمرهم في النضال المشهود. عندما وصل البعث إلى الحكم في بغداد ودمشق، في شباط وآذار 1963، بدا وكأن أول شيء سوف يتحقق في شعار «وحدة حرية اشتراكية»، هو الأكثر سهولة وإمكانية، أي الوحدة. وبالفعل أعلنت وحدة ما، عاشت بضعة أسابيع أو أشهر. ثم دخل الحزبان في صراع عدائي مرعب. وطرحت فكرة الوحدة مرة أخرى بعد تسلم صدام حسين كامل السلطة، ولم يدم الأمر أكثر من أيام، أو ساعات، لكن بالتأكيد ليس أكثر. وطُرحت أيضا فكرة وحدة ثلاثية بين مصر وسورية والعراق، كان يمكن أن تشكل أهم دولة في الشرق الأوسط، بما فيها إيران وتركيا. وانتهى الأمر ببضع مزايدات مرفقه ببضع تهم.

نقلت «العربية» نهار الثلاثاء الماضي صور خندق يحفره العراق على طول الحدود مع سورية: 3 أمتار عمقا، متران عرضا، على مسافة 143 كيلومترا. والهدف «منع التهريب والتسلل»، لكنني اقترح أن يحول هذا الخندق إلى أعجوبة ثامنة يذهب العرب للتفرج عليها، في رحلات خاصة، فقط من أجل أن يروا حالهم في صورة شديدة الاختصار.

لو نُشرت هذه الصورة منذ ثلاثين عاما، لقال العرب والعجم إنها دعاية إسرائيلية مزورة ومركبة. فالجدران التي تبنيها إسرائيل لتفصل بينها وبين الفلسطينيين ليست في هذه الأهمية من العزل والإعمار. العرب اختاروا الخنادق، فهي أكثر ضمانا من الجدران. تفرجوا وصدِّقوا.