لبنان وسورية: خطوات ثقيلة

TT

مهما سبق من تهيئة وتحضير للرأي العام خصوصا اللبناني، تبقى للصور الواردة من دمشق وقعها الدرامي المفعم بالمشاعر المتباينة. ولن تذوي سريعا المعاني التي جسدتها المشاهد التي كررتها الشاشات من العاصمة السورية الأيام الماضية. ولعل أقوى تلك المشاهد وطأة هي الخطوات المتثاقلة والمترددة التي سارها سعد الحريري لمصافحة بشار الأسد. خطوات ليس بمقدورها وحدها أن تطوي صفحة أو تقلبها قبل أن نفهم ما هي هذه الصفحة التي يتعين علينا أن نطويها وعلى أي أسس سيحدث ذلك.

لكن، وبقدر ما هناك حاجة إلى معان جديدة وأطر مختلفة جذريا للعلاقات اللبنانية السورية، وبقدر ما هي ضاغطة الظروف التي أنتجت ذلك اللقاء بين الرئيسين الحريري والأسد، سيبقى الحذر والريبة مشاعر أقوى من أي تطمين أو موقف خصوصا إذا داخل ذلك التطمين عبارات من قاموس دفع لبنانيون كثر دما وقهرا لتجاوزه.

في ما يعنينا كمواطنين وكإعلام فإن موجبات الحذر عديدة، ليس أقلها السياسة واعتباراتها التي تفوق حتما قدرة لبنان وموقعه. أما في الإعلام الذي بدا مركز المراقبة والهجوم في آن فقد ترددت أصوات وبقوة في دمشق وبعض لبنان (أي الذي لم يغادر لحظة الحضن السوري)، تلك الأصوات اعتبرت أن الزيارة هي انتصار لمنطق «المقاومة» أو «الممانعة» وأن «حضن سورية يتسع حتى لمن أخطأوا في حقها». بل هي غالت في اعتبار أن شعارات «14 آذار» قد انهارت والأخطر هو شبه إجماع لدى عموم المعلقين والكتاب أنفسهم بأن على رئيس الحكومة اللبنانية أن يمارس على محيطه وعلى إعلام فريقه وحلفائه ضبطا محكما. لم يتردد بعض هؤلاء من اعتماد لهجة التحذير المباشر لسعد الحريري إن هو لم يضبط هذا الإعلام أو بعضه.

هناك اليوم من يستسهل التنظير لنتائج لقاء الحريري الأسد بمنظومة الشعارات نفسها التي حكمت العلاقات اللبنانية السورية قبل العام 2005. هناك من عاد وأخرج من الأرشيف عبارات «شعب واحد في بلدين» و«التاريخ والجغرافيا» و«الأخوة» و«العلاقات المميزة».

ما أنجزه لبنان في 14 مارس (آذار) وما تحقق على رغم المرارات وفداحة الأثمان التي دفعها لبنانيون كثر لإخراج الجيش السوري من لبنان ولوقف الارتهان السياسي لدمشق هي مكتسبات لا يملك أحد أن يصادرها أو يقوضها. بغض النظر عن مشهد الزيارة وما خلفته وعن ضرورتها يبقى أن ثمة ما يجب المحافظة عليه وهو المهمة الرقابية للإعلام في محاولة تقويم أي اعوجاج يمكن أن يصيب العلاقات اللبنانية السورية المستجدة والتي تسلك طريقا شائكا بلا شك. فاحتمالات الشطط في هذه العلاقة قائمة ومخاوف اللبنانيين من عودة نفوذ سوري إلى بلدهم مشابه لذلك النفوذ الذي ساد قبل 2005 في مكانها. الدور الرقابي للإعلام لن يكون جزءا من معركة مفترضة على العلاقات الجديدة إنما تقويم لاحتمالات الانزلاق والشطط.. فالعلاقات اللبنانية السورية من المفترض أنها قامت على أسس مختلفة ولا يمكن تجاوز حقائق ما بعد العام 2005 ، ولا يجوز أيضا نسيان أو طي حقائق ما قبل العام 2005.

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام

diana@ asharqalawsat.com