الجدار المصري وحصار غزة

TT

بدأت حملة دعائية ضد الجدار المعدني الذي شرعت السلطات المصرية في حفره لمنع التهريب تحت الأرض بينها وبين قطاع غزة. «الجدار يخدم السياسة الإسرائيلية للضغط على مقاومة حماس»، «الجدار هدفه تجويع الشعب الفلسطيني»، هذه هي عناوين الحملة، ومن المحتمل أن يستمر الاحتجاج ويستمر الحفر.

احتجاجات حماس ستجد تعاطفا وستضع الحكومة المصرية في موقف حرج أمام الرأي العام العربي، لكن يبدو أن القاهرة حسمت أمرها. الأحداث كثيرة التي دفعت لبناء السور أبرزها عندما فجرت حماس 17 موقعا في الجدار الحدودي قبل عامين دخل منها إلى الأراضي المصرية نحو ثلاثمائة ألف شخص، تسلل بينهم مسلحون إلى الأراضي المصرية ونفذت عمليات مسلحة. وفي مرحلة أخرى اتهمت إسرائيل مصر بالسماح بتهريب السلاح والأشخاص ضدها.

الجدار جزء من قصة غزة التي هي، بالنسبة للمصريين، جزء من تاريخهم، حيث كانت تحت إدارتهم عشرين عاما حتى احتلالها في عام 67، ثم أصبحت تحت الإدارة الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو. وظلت القاهرة معنية بشأن غزة تحديدا، وهي المرجع العربي للشأن الفلسطيني بشكل عام، ولهذا السبب تدور رحى المفاوضات بين الفصائل والتنظيمات الفلسطينية في العاصمة المصرية. وغزة جزء من الأمن المصري بدليل أن حزب الله وإيران استخدما غزة للتحريض ضد المصريين، والدعوة لقلب النظام المصري تحت ذريعة قضية غزة، إلا أن المحرضين فوجئوا بأن عامة المصريين اعتبروها إساءة لهم لا نجدة للفلسطينيين.

غزة مشكلة مركبة، تحكمها حماس التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين، شقيق التنظيم المعارض في مصر، ومرتبط تنظيم غزة سياسيا بإيران وسورية. وإسرائيل من جانبها تستخدم غزة للضغط على المصريين أمنيا وسياسيا، خاصة أنها تمارس عقوبة جماعية على كل القطاع لا ضد حماس فقط. والأرجح أن المصريين كانوا يعلمون جيدا بمئات الأنفاق التي حفرت من قبل حماس لبلوغ الأراضي المصرية واستخدامها لتهريب البشر والبضائع، وكانوا يغضون الطرف عنها لأسباب إنسانية وسياسية، إلا أن ذلك الوضع المتسامح تبدل بعد أن أطلق حزب الله وإيران صيحتهما الشهيرة بقلب النظام المصري، وبعد أن ضبطت خلايا سرية لحزب الله، وسبق أن نفذت لـ«القاعدة» عمليات في سيناء، إلى جانب إصرار حماس على رفض مقترحات الوساطة المصرية بالمصالحة مع السلطة الفلسطينية في رام الله. كل ذلك جعل القاهرة ترى ضرورة سد هذه الممرات الأرضية التي لا تعرف إن كان ما يهرب منها خبزا أم سلاحا، وفي أي اتجاه.

المصريون لهم حق قانوني في حماية أراضيهم، مثل الأردنيين والسوريين، وككل دول العالم بغض النظر عن هوية الجار، أخ أم عدو. والجدران الحدودية، بكل أسف، صارت أطول بين الجيران منها بين الأعداء بسبب كثرة النزاعات. ومع الإيمان بحق القاهرة في ضبط حدودها يتبقى شأن واحد، فهي تحتاج إلى سياسة أكثر وضوحا في التفريق بين الممنوع والمسموح في عبوره، المعقول أن تصر القاهرة على فتح بواباتها الحدودية للمواد المعيشية والطبية، بل وحتى غير الضرورية من الكماليات، وتسهيل حركة مرور الأهالي. إسرائيل لا تعاقب حماس بل أهل غزة، وهي تريد تشويه سمعة الحكومة المصرية بالإيحاء أنها شرطي الحدود، مع أن الإسرائيليين في واقع الأمر هم من يجلس على باب غزة من الجانب الآخر فيما يسمى بممر فيلادلفيا. أيضا حركة حماس تريد تشويه سمعة السلطات المصرية بإحراجها كما فعلت في مطلع عام 2008.

[email protected]