www.jihad.com

TT

يجب ألا نخدع أنفسنا. فبغض النظر عن التهديد الحقيقي الذي تطرحه أفغانستان أمام الأمن القومي الأميركي، تمثل «أفغانستان الافتراضية» في الوقت الحالي تهديدا كبيرا. وأفغانستان الافتراضية عبارة عن شبكة تضم المئات من المواقع «الجهادية» التي تمثل مصدر إلهام وتدريب وتثقيف وتجنيد للشباب من المسلمين تدعوهم للمشاركة في الجهاد ضد أميركا والغرب. وبعيدا عن الزيادة في عدد القوات التي نقيم بها الواقع في أفغانستان، لا توجد فرصة لتحقيق نجاح مستدام ما لم يكن هناك تقدم مواز من جانب القيادات الدينية والسياسية العربية والإسلامية ضد من يروجون للجهاد باستخدام أعمال عنف داخل بلدان إسلامية وعلى الشبكة الإلكترونية في أفغانستان الافتراضية.

خلال الأسبوع الماضي، ألقي القبض على خمسة رجال من شمال فيرجينيا داخل باكستان. وقالوا للشرطة الباكستانية إنهم كانوا في طريقهم للانضمام إلى الجهاد ضد القوات الأميركية في أفغانستان. وقاموا في أول الأمر بالاتصال مع تنظيمين إرهابيين داخل باكستان عن طريق البريد الإلكتروني في أغسطس (آب). وحسب ما أوردت صحيفة «واشنطن بوست» يوم الأحد: «لقد زادت عملية التجنيد الإلكتروني بصورة كبيرة عن طريق «فيس بوك» و«يوتيوب» على ضوء المستوى التقني المتزايد بين الناس على الشبكة الإلكترونية»، وذلك حسب ما قاله مسؤول بارز داخل وزارة الأمن الداخلي.. وقال إيفان كولمان، المحلل البارز في مؤسسة «نيفا» التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها والمتخصصة في مراقبة المواقع الإلكترونية المتطرفة: «بصورة متزايدة، يلعب المجنِّدون دورا أقل برزوا داخل المساجد ومراكز الجاليات لأن هذه الأماكن تخضع للتدقيق. وعليه يتحول هؤلاء الفتية إلى الإنترنت».

لقد أغرم فريق أوباما بذكر عدد «حلفائنا» الكبير داخل الائتلاف الأفغاني. أشعر بالآسف، ولكننا لسنا في حاجة إلى المزيد من الحلفاء من «الناتو» لقتل عدد أكبر من العناصر التابعة لحركة طالبان وتنظيم القاعدة، بل نريد المزيد من الحلفاء المسلمين والعرب لمحاربة الأفكار المتطرفة التي بفضلها ظهرت أفغانستان الافتراضية التي تنتشر حاليا بصورة لم تحدث من قبل.

ويمكن للعرب والمسلمين المشاركة في حرب الأفكار داخل الإسلام. كانت هناك حرب أهلية في أميركا منتصف القرن التاسع عشر حيث كان يؤمن عدد كبير من المواطنين بأشياء سيئة، وتحديدا إمكانية استعباد شخص بسبب لون بشرته. وقد هزمنا هذه الأفكار والأفراد والقيادات والمؤسسات التي تنشرها، وأدينا ذلك بضراوة شديدة لدرجة أنه بعد مرور خمسة أجيال لم يعف بعض نسلهم عن الشمال.

ويحتاج الإسلام إلى حرب أهلية كتلك، فهناك أقلية عنيفة وتؤمن بأشياء سيئة، مثل صحة قتل غير المسلمين، من «الملحدين» الذين لا يخضعون للسلطة الإسلامية وقتل المسلمين الذين لا يقبلون النهج الإسلامي الأكثر تشددا ويقبلون بحكم خليفة مسلم.

الشيء المخيفة حقيقة هو أنه يبدو أن هذه الأقلية الجهادية العنيفة تتمتع «بشرعية» تامة داخل العالم الإسلامي في الوقت الحالي. ولا يجرأ سوى عدد قليل من القيادات السياسية والدينية على الحديث ضدهم على الملأ. وتغض قيادات عربية علمانية الطرف عن هذه التنظيمات وتقول لهم: «سوف نلقي القبض عليكم إذا ما قمتم بشيء ضدنا، ولذا إذا تركتمونا وشأننا وقمتم بأي شيء في مكان آخر فلا مشكلة في ذلك».

كم هي عدد الفتاوى الدينية التي أصدرتها كيانات إسلامية رائدة ضد أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة؟ عددها قليل. وأين كانت حالة الغضب عندما وقعت خمسة تفجيرات في اليوم الذي وافق فيه البرلمان العراقي على صيغة لإقامة انتخابات تعددية حرة ونزيهة، وهي خطوة غير مسبوقة داخل التاريخ الحديث للعراق، نفذها انتحاريون، مستهدفين وزارات وجامعة ومعهد بغداد للفنون الجميلة، ونجم عنها مقتل 127 شخصا على الأقل وجُرح أكثر من 400، كثير منهم أطفال؟

ولم يكن هناك استنكار ذو معنى داخل العالم الإسلامي، الذي كان مركزا بالأساس على معارضة الحظر السويسري على مآذن المساجد الجديدة، ولم يصدر سوى صوت خافت داخل واشنطن. ولم يعبر الرئيس أوباما عن غضب على الملأ. وكان هذا هو الوقت المناسب لو فعل.

«ما الذي كان يتحدث عنه المسلمون الأسبوع الماضي؟ إنه موضوع مآذن سويسرا وليس عمليات القتل داخل العراق وباكستان»، وذلك ما يشير إليه مأمون فندي، وهو خبير في شؤون الشرق الأوسط داخل المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن. «يبحث الناس عن موضوعات تصرفهم عن القضية الأساسية عندما لا يريدون النظر للداخل، وعندما لا يريدون شحذ شجاعة أخلاقية لإصدار فتوى مضادة تقول: إن تحقيق استقرار داخل العراق واجب إسلامي وإحلال السلام إلى أفغانستان جزء من بقاء الأمة الإسلامية». وعليه، فضلا قل لي، لماذا يفترض أن نساعد على بناء شيء حسن مستدام داخل أفغانستان وباكستان، في الوقت الذي يقوم فيه الجهاديون بقتل المسلمين الآخرين بالعشرات ولا يتحدث عنهم أحد؟

لقد تجذَّر تفكير قسري منذ الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) يرى أن العرب والمسلمين مجرد مفعول بهم وغير مسؤولين عن أي شيء داخل عالمهم وأننا نحن الفاعلين المسؤولين عن كل شيء يحدث داخل عالمهم. لقد جعلناهم أطفالا.

العرب والمسلمون ليسوا مجرد مفعول بهم، ولكنهم فاعلون. إنهم يتطلعون وقادرون ويجب تحديهم كي يتولوا المسؤولية عن عالمهم. وإذا كنا نريد منطقة مسالمة ومتسامحة أكثر مما يريدون، فسوف يكونون في ذيلنا ونحن نقاتل وسوف يكفون ألسنتهم عن متطرفيهم الأشرار. وحينها سنخسر وسيخسرون هنا وهناك، داخل أفغانستان الواقع وفي أفغانستان الافتراضية.

* خدمة «نيويورك تايمز»