2009.. عام سقوط الآيديولوجيات

TT

ليس بالآيديولوجيا وحدها تحيا الأحزاب في لبنان ولا بالعصبيات المحلية تنتعش الزعامات اللبنانية.

هذا، على الأقل، ما أثبته عام 2009 للبنانيين: حزب الله «تلبنن»، ميشال عون «تسرين» (من سورية)، وليد جنبلاط «تحيّد»، سعد الحريري «اعتدل»، فيما «تفرس» (من بلاد فارس) معظم من تبقى من سياسيي الصف الثاني... والحبل على الجرار في لعبة «كراسي موسيقية» لا يتقنها مجتمع ما مثلما يتقنها اللبنانيون.

مسكين اللبناني العادي. أقنعوه أن عام 2009 هو عام «الوحدة الوطنية» فتحول إلى شاهد زور على تصالح الأخصام بلا وجل، وتجاوز الأحزاب خلافات «الآيديولوجية» ببراعة حولت مجلسه الوزاري إلى برلمان مصغر، وجعلت الفارق الفعلي بين «8 آذار»، و«14 آذار» مجرد فارق على «الروزنامة»: سبعة أيام قصار فحسب.

ماذا حدث لما سمي - تفاؤلا آنذاك - بـ«ثورة الأرز»؟ وماذا حدث لتطلع الملايين من اللبنانيين لأن يصبح بلدهم دولة ناجزة الاستقلال ومكتملة السيادة وديمقراطية الأداء، ويصبحوا هم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات ينعمون بحماية السلطة ورعاية القانون؟

قد يقول البعض إن «التوافقية» طغت على «الديمقراطية» في نظام يحاول عبثا أن يجمع المحاصصة المذهبية والتمثيل الشعبي على سطح واحد، فاقتضت الموجبات «الوطنية» للمرحلة التزام شكل من أشكال التقية السياسية استوجبت مصالحات «تاريخية» بين الأقطاب المتخاصمين ومصادرة مجلس الوزراء لدور مجلس النواب كرقيب على أداء الحكم والضرب صفحا بنتائج أول انتخابات نيابية «آيديولوجية» الطابع.

المفارقة التي كشفتها هذه المرحة - وتجاهلتها في نفس الوقت - أن التوافق الداخلي في لبنان مرهون بالتوافق الخارجي... وأن التوافق الخارجي تمليه المصالح الإقليمية قبل اللبنانية.

صحيح أن من الصعب الفصل بين الاستقرار الإقليمي والاستقرار الداخلي في لبنان في ظل استمرار حالة التشرذم الديموغرافي لمجتمعه مع كل ما تفرزه من تعددية في الولاءات.

وهذا «القدر اللبناني» تعود جذوره إلى اتفاق سايكس - بيكو عام 1916 الذي اقتطع من تركة الإمبراطورية العثمانية مناطق نفوذ للدولتين العظميين (آنذاك)، بريطانيا وفرنسا، دون إيلاء كبير اعتبار لتطابق حدود مناطق النفوذ الفرنسية والبريطانية مع تطلعات أبنائها إلى وطن نهائي، ناهيك إلى الوطن القومي.

وحتى النظام الديمقراطي «الدخيل» الذي فصله الانتدابان البريطاني والفرنسي على مقاس دول سايكس - بيكو لم يخل من الشوائب التي شوهت طابعه التمثيلي. وإذا كان هذا النظام، على علاته، صمد إلى حد ما في لبنان ولم تقضِ عليها حربه الأهلية أو دبابات العسكريين فإن ذلك لا يعود لكونه أصلب عودا من الديمقراطية السورية، بل لأن نظام المحاصصة المذهبية على مستوى الحكم شكل ضمانة خفية، ولكن ثابتة، للعبة البرلمانية في لبنان.

في ظل هذه الديمقراطية، انتهت عام 2009 المواجهة السياسية والأمنية الحادة التي فجرها اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري عام 2005 بـ«حكومة وحدة وطنية» أكدت أن قدر لبنان الجغرافي - السياسي أقوى من أن تطيح به موجة استقلالية طارئة مهما كانت شعبية في جذورها، فكما أن ديمقراطية لبنان طارئة على مجتمعه... كذلك استقلاله طارئ على تاريخه.

والمؤسف أن العبرة السياسية التي يمكن استنتاجها من «حكومة الوحدة الوطنية» التي انتهت إليها «ثورة الأرز» قد تكون في أن نظام المحاصصة الطائفية ارتقى من ضمانة خفية لـ«ديمقراطية» لبنان إلى مستوى الضمانة غير المعلنة «لاستقلاله».