الإرث غير المتوقع

TT

جاء سعد الحريري إلى السياسة ثم إلى السلطة في مصادفة قدرية مفجعة. فلم تكن السياسة في باله ولا في آماله، لولا اغتيال والده. وكان رفيق الحريري، بعكسه تماما، قد طلب السياسة مبكرا وبإصرار، وغامر براحة المال والثروة من أجل متاعب الحكم وموقع الأحكام.

تدرب الأب طويلا في أروقة العمل السياسي وأحاجيه. سخر ماله بإغداق أسطوري فسخر أهل السياسة بطواعية شبه تامة. وكان يصرف ويتصرف على أساس أن سعد تولى زمام الأعمال بقدرة وتمكن، وبالتالي سوف يضمن بقاء الثروة وتجددها. لكن ما رسمته الأقدار غير ما رسمه القرار. فقوة الانفجار الذي أودى برفيق الحريري هي التي دفعت سعد الحريري إلى تولي الإرث السياسي. وأيضا من دون تدرج في المراتب.

فالإرث، بطبيعته، كان يتضمن زعامة السنة وقيادة الحركة التي ولدت بموت رفيق الحريري، أي 14 آذار. وبدأت تجارب سعد الحريري في مستوى الزعامة ومتاعبها ومفاجآتها. وكان أول حدث اهتزازي خروج وليد جنبلاط من 14 آذار بدائرة 380 درجة والبقاء مع الحريري بـ180 درجة. ثم بدا وكأن حزب الكتائب يتململ هو أيضا في موقعه ضمن الأكثرية اللبنانية. وشهد رئيس الوزراء الجديد مشقته الكبرى في عملية تشكيل الحكومة، عندما اتضحت في العلن شهوات اللبنانيين للحقائب وما يمكن أن تحوي.

تجارب السياسة في القمة بلغت ذروتها في ذهاب الرئيس الجديد إلى دمشق. وضع خلفه الكلام السياسي الذي كان يردده منذ اغتيال والده ومضى ليبني سياسة من أجل لبنان. وليس أوضح من قدريات وحتميات التاريخ والجغرافيا أكثر من أحكام العلاقة بين سورية ولبنان أمس واليوم وغدا. واللقاء مع الرئيس بشار الأسد أصبح متوقعا منذ أن تم اللقاء بين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري. فالمطروح على المسؤولية العربية من هذه المرحلة، ليست الأزمة اللبنانية وحدها وإنما خط يشبه خط الاستواء على مدى العالم العربي.

وتحمل لقاءات الحريري في دمشق أبعادا وأهمية أوسع بكثير من المصالحات الأخرى، التي عقدها بعض السياسيين اللبنانيين. لكن المسار الائتلافي، في مجمله، يشكل إشراقه طمأنينة في بلد مثل لبنان، لم تكف متاعبه عن التوالد.