حمل لا حملة

TT

لا يزال وزراء الاعلام العرب برئاسة وزير الاعلام اللبناني غازي العريضي، يسعون الى المليون او المليون ونصف مليون دولار التي سنحارب بها الاعلام الاسرائيلي في العالم. ولا اعود الى الموضوع اليوم لأنني في صدد «حملة» كما وصفتها مراسلتنا في القاهرة في مقدمتها للمقابلة مع الوزير العريضي الذي شرح الخطة الاعلامية. فأنا لست في صدد حملة. وقصيدة غازي القصيبي امس عن «مليون دولار جاد بها زعماء الفصاحة»، ليست حملة. انه مجرد رأي في مؤتمر «طارئ» لم يكن له أي ضرورة على الاطلاق، لأن انعقاده، في حد ذاته، وانتهاءه الى تلك النتائج، يسيء الى العرب والى الفلسطينيين والى الجامعة العربية، التي شهدت مؤتمرين وزاريين في ايام قليلة، بلا نتائج، وبلا اهمية، وبلا حدث، في الوقت الذي تعيش فيه المنطقة حالة حرب، وفي الوقت الذي يعيش فيه الصراع العربي الاسرائيلي اعمق مراحله واكثرها دقة وشراسة وتعقيداً.

وقد صححت حنان عشراوي رقم المليون، او المليون ونصف المليون، في مقابلة تلفزيونية. وقالت انها وضعت اقتراحات بصرف 7 ملايين دولار على مدى ثلاث سنوات. ومهما يكن الرقم، فإن الصراع الاعلامي، مثل الصراع السياسي، حالة دائمة لا طارئة. وهو لا يخطط له في مؤتمر ولا يعد له في يومين. وخصوصاً لا تعلن مقرراته على الملأ، لا على العرب ولا على الاجانب، اذا كانت هذه هي المقررات. لقد تعامل العرب مع الجانب الاعلامي في الصراع على انه ترف لا ضرورة له وانه شيء موسمي يلجأ اليه عند الحاجة ويعالج بمؤتمر «طارئ» للجامعة. في حين ان كل فكرة اسرائيل قامت على الاعلام. وكل حروب اسرائيل مهد لها بالاعلام وألحقت نتائجها بالاعلام. ومعظم اموال وموازنات اسرائيل تذهب للاعلام. ويروي الوزير السابق ميشال اده ان عشرة رجال اعمال اميركيين خصصوا 800 مليون دولار موازنة اعلامية دعماً لسياسات شارون وصورته في اميركا. وحنان عشراوي تقول ان وزارة الخارجية الاسرائيلية وحدها لديها موازنة اعلامية بعشرين مليون دولار. وان كل وزارة في حكومة اسرائيل لها موازنة اعلامية خاصة بملايين الدولارات. حتى وزارة الريّ، ليس المطلوب حرباً اعلامية مع اسرائيل في الغرب، ولكن المطلوب فقط اعلام يليق بالقضية العربية واعماقها. والمطلوب سياسة اعلامية دائمة لا مؤتمر طارئ يعقد على عجل، والمطلوب ان تدرك الدول العربية ان الاعلام اليوم هو الجزء الاهم في الديبلوماسية، وليس العكس، والسفارات العربية، حتى في العواصم الكبرى، خالية من اي عمل اعلامي حقيقي. والمؤسسات الثقافية التي يمكن ان تقدم ولو معالم ضئيلة من الصورة العربية، لا تلقى اي دعم او اهتمام، مثل «معهد العالم العربي» او جمعية مناهضة العنصرية في اميركا التي ترأسها الدكتورة هالة سلام مقصود.

اننا غائبون اعلامياً غائبون غائبون. ونحن قوم موسميون: موسم الحروب. موسم الانتفاضة. موسم الموت السري. موسم الموت المعلن. ولكل موسم مؤتمر «طارئ» يمن على القضية العربية بمليون دولار او مليون ونصف مليون. نقرر ان نغري بها مؤسسات رأسمالها 85 مليار دولار، قبل صافي الارباح.