مدينة الأسرار (1)

TT

«أميركا تتجسس على العالم».. كنت أظن ذلك شعارا مبالغا فيه.. فكيف يمكن لدولة مهما بلغت من التقدم ان تستمع الى مكالمة اجريها مع صديقي في الرياض.. او القاهرة.. او كوبنهاجن.. ولكني تأكدت انه ليس مجرد شعار فارغ بعد ان صدر كتاب «مدينة الأسرار» لمؤلفه جيمس بامفورد المؤلف المتخصص في الكتابة عن الأقمار الصناعية وأجهزة الكومبيوتر العملاقة.

ويقول المؤلف انه كان بصدد نشر كتاب جديد عن تكنولوجيا الاتصالات ولكن المعلومات التي جمعها جرفته بعيداً عن هدفه ووضعته داخل احدث واخطر هيئات التجسس في العالم وهي هيئة الأمن القومي الأمريكي.

والكتاب الذي يقع في 733 صفحة يعتبر اهم مرجع صدر عن عالم الأسرار الرهيب الذي تستخدم فيه اجهزة الكترونية للمراقبة أبعد ما تكون عن اي تخيل يخطر على بال.. انه كتاب عندما تنتهي من قراءته تشعر بأنك مكشوف او حتى مكسوف لأن كل كلمة تقولها او حركة تصدر عنك قد تكون مرصودة في مكان يبعد عنك آلاف الأميال.

والهيئة الأميركية اكتشفت عام 1940، وكانت مهمة العاملين فيها فك الشفرة الألمانية التي تستخدمها جيوش الرايخ الثالث في تحركاتها.. وقد عمل علماء الرياضة واللغة جنباً الى جنب حتى تحققت المعجزة واصبحت جميع الشفرات التي تستخدمها المانيا تحت السيطرة.. وكان لهذا الجهد الأثر الكبير في هزيمة الرايخ الثالث.

وقد ظل آلان تريينج قائد الفريق يعمل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ليس في فك الشفرات فقط، ولكن في التنصت على العالم كله خاصة بعد ان بدأت الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، ووجد الرئيس هاري ترومان انه من الضروري ان تصبح هيئة الأمن القومي هيئة مستقلة لأهميتها البالغة في الحرب الباردة.. ولكن ظل انشاء هذه الهيئة من الأسرار الكبرى حتى عندما اصبحت مدينة كاملة «كرينبو سيتي» في «ريلاند» وتشغل 60 مبنى يعمل فيها عشرات الألوف من الموظفين يقومون بملايين العمليات في الثانية الواحدة ويحصلون على اسرار العالم كله دقيقة بدقيقة.. وقد كانت طائرة التجسس الأميركية التي سقطت على الأراضي الصينية منذ شهور جزءاً من عمل مدينة الأسرار التي نواصل الحديث عنها غداً لأهميته.. وأهميتها.