في ظل استمرار انحياز الرئيس بوش لإسرائيل .. مصالح واشنطن أصبحت هدفا

TT

اعلن الرئيس جورج بوش، من مزرعته في تكساس، في الرابع والعشرين من شهر اغسطس (آب)، ان على ياسر عرفات، ان اراد العودة للحوار ان يبذل جهده لوقف العمليات الارهابية ووقف عمليات التفجير الانتحارية، لان الاسرائيليين لن يعودوا للحوار اذا استمرت الهجمات الارهابية الفلسطينية ضدهم. ودعا في الوقت ذاته رئيس وزراء اسرائيل ارييل شارون لضبط النفس، وذلك تعليقاً على اقتحام الدبابات الاسرائيلية لمدينة الخليل وتدمير عدة منازل فيها.

وجاء الرد الاسرائيلي في الخامس والعشرين من شهر آب. أي بعد يوم واحد من تصريح الرئيس بوش على لسان بنيامين بن اليعازر الذي قال ان اسرائيل لم تعد مهتمة باظهار ضبط النفس.

وشكل كلام بن اليعازر اعترافاً بأن اسرائيل لم تمارس ضبط النفس قط. بل كانت تهتم باظهاره للعالم.

وقامت قوات جيش الاحتلال الاسرائيلي باقتحام مدينة بيت ساحور، قرب حقل الرعاة المقدس، بناء على التشجيع الذي عبر عنه الرئيس بوش للجرائم الاسرائيلية.

كما هدد نائب رئيس الاركان الاسرائيلي الجنرال يعلون بان جيش الاحتلال سيخترق الخليل مرة اخرى وقد لا يخرج منها اذا استمرت مقاومة الفلسطينيين لقوات الاحتلال والمستعمرين المسلحين الذين يعيثون في المدينة فساداً واجراماً.

ومنعت الولايات المتحدة، بأمر من الرئيس بوش، مجلس الأمن من التداول في مشروع القرار الذي قدمه الفلسطينيون بالتعاون مع مجموعة الدول الاسلامية، ودول عدم الانحياز، لادانة الاعتداءات الاسرائيلية ولارسال مراقبين دوليين إلى فلسطين للتحقق من ان الجيش الاسرائيلي هو الذي يعتدي على المدنيين الفلسطينيين ويرمي التهمة على الفلسطينيين.

وتحت التهديد الاميركي باستخدام حق النقض (الفيتو) تراجع مجلس الأمن وسحب مشروع القرار.

لقد سبق ان تحدثنا في مقال سابق في «الشرق الأوسط» عن قرار شارون بتنفيذ بند من بنود خطته العدوانية التدميرية، وهو بند الاختراق الصاعق لمناطق السلطة مدناً وبلدات وقرى ومخيمات. وقام جيش الاحتلال بتطبيق ذلك في جنين ورفح ودير البلح وخان يونس وبيت ساحور والخليل وتراجع عن اقتحام بيت جالا تحت ضغط المبعوث الاميركي لـلشرق الأوسط. لكن تشجيع الرئيس بوش لعدوانية شارون سوف يدفعه للاستمرار في هذه العمليات الاختراقية التدميرية والانتقال إلى بند اعادة احتلال مناطق خاضعة للسلطة لفترات طويلة (حتى إشعار آخر).

وفي ظل هذا الموقف الاميركي (غير المفهوم) والمستند لرؤية غير صحيحة لما يجري على ارض فلسطين، يبدو انه لا يوجد افق سياسي، لأي محاولة جدية لتطبيق توصيات لجنة ميتشيل أو ورقة تينيت حول وقف اطلاق النار.

فالبيت الأبيض ينظر حتى الآن لما يجرى على الارض الفلسطينية، أي الحرب العسكرية التي تشنها الحكومة الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني الاعزل من السلاح من خلال منظار خضوع البيت الأبيض لابتزاز الكونغرس المنحاز بشكل اعمى لاسرائيل. فالرئيس بوش ووزارة الدفاع الاميركية والمجمع الصناعي العسكري الاميركي يريدون من الكونغرس اقرار الموازنة الخيالية لانتاج الدرع الصاروخي. وهذا يتطلب موافقة الكونغرس الاميركي. وبما ان عدداً من اعضاء الكونغرس يعارضون هذا المشروع لشكهم في نجاحه أو نجاعته فان الرئيس بوش يقوم باستمالة الكونغرس عبر اتخاذ مواقف ضد الفلسطينيين وتأييد الاجرام الاسرائيلي. فقد ايد الجرائم الاسرائيلية، حتى تلك التي انتقدتها وزارة الخارجية الاميركية. فقتل الأطفال الفلسطينيين وتدمير منازل الفلسطينيين المنهجي اللذان يقوم بهما جيش الاحتلال الاسرائيلي واقتلاع الاشجار ومحاصرة شعب كامل محاصرة اقتصادية ولوجيستية، والتنكيل اليومي بالمواطنين الفلسطينيين على يد جنود الاحتلال... كل هذه الاعتداءات لا يرى فيها الرئيس بوش سوى ضبط نفس تمارسه الحكومة الاسرائيلية.

بينما يرى الرئيس بوش في دفاع الفلسطينيين عن انفسهم ومقاومتهم للاحتلال العسكري الاسرائيلي ارهاباً.

مرة اخرى نقول ان هذا الموقف يجعل الوضع في فلسطين والشرق الأوسط غاية في الخطورة ويدفع المنطقة بتسارع لا نظير له نحو نقطة الانفجار.

فمن غير المعقول ان يتشبث الرئيس بوش بموقفه غير المنطقي وغير المتزن تجاه الاعتداءات الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني لو ان هنالك جهداً عربياً حازماً للمطالبة بالوقوف إلى جانب الشرعية الدولية وحقوق الانسان وحق تقرير المصير للشعوب... ومطالبته بالالتزام بتعهدات الولايات المتحدة لانهاء الاستعمار وتطبيق قرارات مجلس الأمن ومنها القرار 242.

وبالرغم من غياب الموقف العربي الحازم من ذلك فان الانفجار القادم سيكون اخطر بكثير من انفجار يسببه استمرار الموقف الاميركي المنحاز لاسرائيل حتى في حال اتخاذ الدول العربية موقفاً حازماً مما يدور على الارض الفلسطينية.

امام انسداد الافق السياسي بسبب الموقف الاميركي (البيت الابيض ووزارة الدفاع) ستقف الدول الاوروبية عاجزة عن القيام بأي دور سوى التحركات الدبلوماسية التي اصبحت تعطي حرب شارون ضد الشعب الفلسطيني شرعية الواقع المفروض.

وهذا يعني ان الشعب الفلسطيني مطالب بأن يعلم تمام العلم انه يقف وحيداً في ساحة المعركة غير المتكافئة. وهذا يعني ان خيار السلام الاستراتيجي الذي اقره ممثلو الشعب الفلسطيني لم يبق امامه سوى طريق واحد هو المقاومة المستمرة للاحتلال حتى يزول نهائياً عن الارض الفلسطينية، سواء كان ذلك بقرار اسرائيلي على نمط قرار الانسحاب من جنوب لبنان أو بقرار اسرائيلي نتيجة الخسائر التي ستنزل بجنود الاحتلال والمستعمرين المسلحين الاسرائيليين الذين يعيشون على ارض فلسطينية صودرت بالقوة وبنيت عليها مستعمرات مسلحة تصادر بالقوة قوت الفلسطينيين ومياههم وتمرهم.

ولا شك ان الفلسطينيين الذين استفادوا من دروس عام من الانتفاضة الباسلة سوف يتبعون اساليب مقاومة جديدة ومركزة لا تتيح المجال للعدو بأن يستثمرها أمام العالم والرأي العام العالمي، بل وسائل مقاومة فاعلة تستهدف قوات الاحتلال والمستعمرين المسلحين.

وهذا ما بدأ العالم يشاهده في قطاع غزة والضفة الغربية. وما العملية الجريئة والبطولية التي نفذها مقاتلو الجبهة الديمقراطية باقتحام معسكر للجيش الاسرائيلي في محيط مستعمرة غوش قطيف، الا نموذج على النمط الجديد للمقاومة الباسلة ضد جنود الاحتلال. ومن الطبيعي ان نتصور ان تحرير الاراضي التي اقيمت عليها مستعمرات بقوة السلاح سيكون هدفاً من اهداف رجال المقاومة البواسل.

ولا شك ان الطريق المسدود الذي قرر الرئيس بوش ان يدفع اليه عمليات السلام في الشرق الأوسط، سيكون السبب الرئيسي في تصعيد المقاومة الشعبية الفلسطينية للاحتلال الاسرائيلي. اذ ان الرئيس بوش يخطئ كثيراً عندما يدفع الفلسطينيين نحو اليأس وفقدان الأمل في عملية السلام والحل السياسي المتوازن، الذي تعهدت به الولايات المتحدة والتزمت به، واطلقت من أجله معادلة الارض مقابل السلام.

لقد تساءل الرئيس بوش اثناء زيارة شارون مجرم الحرب للبيت الابيض، عما يدفع شاباً للانتحار بتفجير نفسه. ونحن نجيب الرئيس بوش على تساؤله هذا: ان الذي يدفع الشباب الفلسطيني للقيام بعمليات انتحارية هو موقف الرئيس بوش. فهو الذي لا يفي بتعهدات الولايات المتحدة. وهو الذي يغمض العين على جرائم الاحتلال الاسرائيلي. وهو الذي يتناسى ان الاحتلال الاسرائيلي للارض الفلسطينية مضت عليه الآن اربعة وثلاثون عاماً دون ان تحرك الولايات المتحدة ساكناً لتطبيق قرار مجلس الأمن 242 بينما شنت حرباً تدميرية لتطبيق قرار مجلس الأمن المتصل باحتلال العراق للكويت.

واذا كان تردد الرئيس بوش لاتخاذ موقف حازم تجاه الاحتلال الاسرائيلي واعتداءات اسرائيل الوحشية على شعب اعزل من السلاح قد ولد هذا النمط من العمل فان موقفه الراهن وهو اكثر انحيازا للعدوان الاسرائيلي سوف يولد ما هو اخطر من ذلك. اذ ان محاولة الرئيس بوش دفع الشعب الفلسطيني نحو حافة اليأس سوف تولد حالة من الانفجار الضخم الذي لن تطال اثاره جنود الاحتلال الاسرائيلي فقط بل ستطال اماكن اخرى وجنوداً آخرين يقفون إلى جانب الاحتلال الاسرائيلي، وستطال مصالح كل مـــــن ينحاز للاحتلال والعدوان ويعــــادي حقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير المصير.

ان قرار شاب بأن يفجر نفسه ضد الغزاة هو قرار لا يمكن للكومبيوتر مهما كانت سرعته وكفاءته الانتاجية كبيرة ان يتوقعه، تماماً كما فجر الشاب يوسف أمين نفسه في مقر المارينز في بيروت.

نحن لا ننادي بهذا، لكننا ننبه مما سيحصل إن استمر الموقف الاميركي معادياً لمصالح شعوب المنطقة التي تعاملت بحسن نية وصدق مع الاميركيين واعطتهم المجال الاوسع لسد حاجاتهم الاستراتيجية من النفط والغاز، وفتحت لهم اسواقها الواسعة لتكون اكبر مستورد لبضائعهم. فلماذا يعادي الرئيس بوش حلفاءه الحقيقيين؟ ولماذا يضحي بمصالح الأمة الاميركية ليخدم اسرائيل المعتدية والمحتلة لاراضي شعوب اخرى بالقوة العسكرية؟

الا يستطيع الرئيس بوش ان يستوعب دروس التاريخ؟ اننا ندعوه للمجيء إلى مواصي خان يونس ورفح وقطاع غزة بأكمله وإلى مدن وقرى الضفة الغربية ليرى ما يجري من فظائع تقشعر لها الابدان.

لماذا لا يفعل ذلك بدلاً من الدوران في سماء الضفة الغربية بطائرة هليكوبتر جنباً إلى جنب مع مجرم الحرب شارون الذي امتهن الكذب والتضليل؟

وان اراد الرئيس بوش ان يعلم هذا فليسأل موريس درايبر وليسأل من تبقى من سكان مخيم صبرا وشاتيلا.