الواقع الذي تجاوز كيوتو

TT

موجة الحر الكبيرة التي ضربت منطقة الشرق الأوسط وأدت الى موت مئات الاطنان من السمك في مياه الخليج العربي بسبب ارتفاع درجة حرارتها، فصل من فصول التسخين الحراري للأرض التي اصطلح على تسميتها بـ«ظاهرة البيت الزجاجي». هذه الفصول باتت تتوالى سريعا في الأيام الأخيرة من فيضانات وأعاصير وزوابع وذوبان جليد الأرض، الى آخر ما في اللائحة من كوارث بتنا نسمعها يوميا ولا نكل.

ورغم كل ذلك، فإن زعماء العالم وسياسييه مشغولون في مناقشات حامية حول بنود معاهدة كيوتو، او تعديلها حتى بتنا لا نعرف ما هو المطلوب وما هو الصحيح.

والأغرب من ذلك ان الكثير من السياسيين باتوا يرددون، لا سيما بعد رفض واشنطن الموافقة على بنود المعاهدة، انه لا يمكن فعل الكثير لتعديل الوضع الذي بات متأخرا جدا، خاصة مع وجود العديد من دول العالم المطلوب تعاونها الوثيق في هذه المسألة.

بعبارة اخرى، انه نوع من التسليم بالأمر الواقع، ومن دون حتى محاولة تقويم الأمر عن طريق اتخاذ بعض الاجراءات البسيطة التي قد تدل فقط على نوع من حسن النية، رغم ان بنود معاهدة كيوتو لا تنادي بتخفيض اكثر من 1.8 في المائة من الغازات المنبعثة، في حلول عام 2012، مقارنة بعام 1990.

في اي حال، فإن المعلومات الرسمية تؤكد ان لا دولة شرعت حتى الآن في تنفيذ اي بند مهما كان متواضعا.

والأسوأ من كل ذلك، انه حتى لو جرى تطبيق البنود كلها بحذافيرها فانها لن تفعل شيئا في تخفيض درجة حرارة الأرض في القرن المقبل.

نعم في القرن المقبل، كما يقول العالم روبرت لامبرت في مقال له نشره اخيرا في نشرة «سبكتيتور» الدولية المتخصصة.

يقول لامبرت ان التغيرات المناخية هي حصيلة سنوات وسنوات من التراكمات وتجمع الغازات في طبقات الجو العليا، وان الغازات حالما تتجمع هناك تحتاج الى عقود طويلة، وربما الى قرون، كي تزول وتضمحل. وبذلك فان الغازات المنبعثة في سنة واحدة لا تنفع ولا تضر، ولا تترك اي اثر على التغير في المناخ العالمي.

من هنا، فان التجمع الحاصل الآن للغازات في طبقات الجو العليا قد بدأ منذ بداية الثورة الصناعية. ومما لا شك فيه ان العملية هذه اخذت تسرع في العقود الأخيرة، لا بل ستستمر لفترة طويلة من الزمن، بغض النظر عما سيحاول العالم ان يفعله الآن، او مستقبلا.

ان تخفيضا قدره 1.8 في المائة من الغازات المنبعثة على مدى 22 عاما، كما تقول بنود معاهدة كيوتو، لا يمثل اي انخفاض فعلي في مجمل الغازات المتجمعة في طبقات الجو العليا، بل يمثل فقط انخفاضا صغيرا غير ملموس في معدل تزايد هذه الغازات. من هنا فهو لا يشكل حلا في حد ذاته.

وهنا المأساة، اذ ستستمر جبال الجليد في الذوبان، وسيستمر سطح البحار والمحيطات في الارتفاع، والجفاف في ضرب القارات. الأمل الوحيد ربما هو في محاولة تبطئة الأمور بعض الشيء، او في التأقلم مع الوضع الجديد بعد التسليم بالعجز الكامل، كما تبدو الأمور عليه حاليا.