شمس الحياة

TT

كان الأب والأم يمرجحان ابنتهما ذات السنة والنصف، عندما لاحظت الأم أن وجه طفلتها (جيمي) - وهذا هو اسمها - ممتقع وأصفر بشكل غير طبيعي، وسألت زوجها عن هذه الظاهرة الفجائية، فقال لها زوجها: أعتقد أنها قد أصيبت بدوار نتيجة لحركة الأرجوحة، فحملاها للداخل، غير أن حالتها بدأت تتدهور، فذهبا بها إلى طبيب الأطفال المشرف على ولادتها، فطمأنهما قائلا: لا داعي للقلق، وأتياني بها مرّة ثانية بعد شهر في موعدها الاعتيادي، غير أن حالة الطفلة بدأت تزداد سوءاً.

فذهبا بها على عجل إلى نفس الطبيب وعندما أجرى عليها فحصاً دقيقاً اكتشف أنها مصابة بتمزق في القناة الصفراوية في الكبد، وقرر إجراء جراحة عاجلة في غضون أيام لكنه اضطر إلى إلغاء الجراحة لعدم توافر كبد بديل لزرعه.

وقال لوالدي الطفلة: «القرار لكما» فسألته الأم: «وهل تموت جيمي إذا لم تجر لها الجراحة؟» فأجابها: «نعم».

ونصحهما بعدم التفتيش عن كبد لزرعه لأن ذلك يتطلب تضحيات مادية ومعنوية كبيرة وهناك عقبات لا تحصى في إيجاد متبرع بكبده وهما في النهاية لن يحصدا إلا الخيبة والموت.

واتجه الأب إلى وسائل الإعلام التي تعاطفت معه في البداية قليلا ثم خف اهتمامها.

وبقيت أمامه مشكلة عويصة؛ فكبد الطفلة صغير وهي تحتاج إلى متبرع من فئة دمها وله حجم ووزن كبدها.

لم ييأس الوالد وتابع اتصاله بوسائل الإعلام التي قابلت توسلاته بالصد والرفض.

وبعد خمسة أسابيع تقريباً عرف أن هناك مؤتمرا طبيا في نيويورك، وذهب إلى رئيس المؤتمر يرجوه أن يطرح مشكلته في المؤتمر، غير أن الرئيس اعتذر منه لأنه لم يسبق أن سمح لرجل عادي أن يتكلم في مثل هذا المؤتمر العلمي، وبعد إلحاح سمح له أن يلقي كلمته في دقيقة وإذا زاد عنها بثانية واحدة سوف يفصل عنه الميكروفون.

ووقف الوالد في قاعة الاحتفالات وقد سلطت عليه الأضواء الساطعة على نحو مزعج حتى أنه لم يتمكن من رؤية أي من الوجوه الأربعمائة المحدقة إليه. بدأ بشكر الأطباء الذين أفسحوا له في المجال ليتكلم إلى الرأي العام.

وقال بلهجة حنونة: «سئلت يوماً إذا كانت لدى جيمي لعبة مفضلة، فأجبت: نعم، عندها بطة كبيرة محشوة بالقطن تغني أنشودة مألوفة: أنت شمسي». وتلا كلمات الأغنية ثم ردد بحنان: «إنها شمس حياتي وأنا أحبها كثيراً، وأشكركم شكرا جزيلا»، ثم انخرط في موجة بكاء مريرة قبل أن تنتهي الدقيقة، وبعدها انفجر الحضور بالتصفيق الحاد وهم واقفون لمدة خمس دقائق كاملة.

في هذه الأثناء كان هناك أب وأم يشاهدان وقائع ذلك المؤتمر بالتلفزيون واستمعا لكلمة الأب، وشاءت الأقدار أنه بعد ستة أيام أن حدث لهما تصادم وأودى بحياة ابنتهما ذات العشرة أشهر، فتبرعا بكبدها رأساً لتلك الطفلة، التي أجروا لها العملية سريعاً، وقال الجراح: «ظننت أنها لن تصمد أكثر من أيام قليلة. كان كبدها متحجراً كقطعة خشب. ولكن حالما زرع العضو الجديد بدأت جيمي تتورد».

كل هذا حصل عام 1985، وقبل أشهر اشتركت (جيمي) في مسابقة ملكة جمال الولاية التي هي فيها، وكانت الوصيفة الثانية للملكة.

وهي الآن متزوجة وأنجبت ابنة صحيحة (أمّورة) أطلقت عليها اسم والدتها.

ولو أن هذه الجريدة تسمح لي لنشرت صورة (جيمي) بالصفحة الأولى، بدلا من تلك الصور التي كلكم تعرفونها، وأكثرها (يرفع الضغط).

[email protected]