تركة موروثة أم عنجهية؟

TT

مشهد مثير وغير محسوب صدم كثيرا من العراقيين عندما سمعوا عن استيلاء الإيرانيين على أحد حقولهم النفطية. في الفكة أنزلوا العلم العراقي ورفعوا علمهم محله. هل يعقل أن يهاجم الإيرانيون أصدقاءهم في العراق؟ هل يعقل أن يسعى نظام طهران لحرمان الإنسان العراقي الذي عاش معظم تاريخه الحديث فقيرا في منطقة غنية بالنفط والدولارات؟

بعضهم ظن أنها مجرد دعاية لتخريب العلاقة بين البلدين، بعد أن ظهر معلقون إيرانيون ينفون القصة تماما زاعمين أنها من اختلاق الأميركيين والبعثيين، لكن التكذيب لم يدم طويلا، حيث أكدته الحكومة العراقية وصار خبرا حقيقيا ثابتا. ومع أن الطرفين سارعا لصب الماء على الحريق في بداياته، استمرت المشكلة، خاصة مع ورود أخبار عن احتلالات جزئية أخرى أقدمت عليها القوات الإيرانية لمناطق نفطية عراقية مجاورة. أيضا، بسبب سلسلة نزاعات موروثة أهيل عليها التراب بعد إسقاط نظام صدام، وظن النظام العراقي الجديد أن طهران ستكون أكثر تعاونا وصداقة.

الخلاف على مناطق النفط بين دول المنطقة هو الأصل في أسباب النزاعات، وسبب شن الحرب بين العراق وإيران، وهو وراء احتلال صدام الكويت. وبالتالي وجود مشكلة حدودية نفطية بين إيران والعراق ليس مفاجئا إلا في التوقيت، هل استعجلت القوات الإيرانية وضع اليد على الحقول العراقية لأنها رأت الحكومة العراقية تستعجل توقيع عقود منح الامتياز وهي تريد منعها بالقوة إحقاقا لما تعتبره حقها في المنطقة أو تريد فرض شروطها؟ هل التوقيت الغريب في الاستيلاء الإيراني مرده الفوضى داخل أطراف النظام في طهران، حيث يبذل طرف الكثير من المال والجهد لتعزيز العلاقة الخارجية مع الأطراف الصديقة، بينما الطرف الآخر في النظام يتصرف وفق سياسة المواجهة. فإيران تصنف حكومة بغداد صديقة مثل حزب الله وحماس والحوثيين، لكنها أكثر من أضرها بالتآمر والتخريب ودعم الإرهابيين بدعوى محاربة الأميركيين. أم إنها العنجهية التي ميزت عقلية نظام أحمدي نجاد كما نرى في إدارتها الملف النووي الخطير بتحد لم تجرؤ على مثله حكومات إيران السابقة، وكما فعلت في التعامل مع خصومها في الداخل؟

الحقيقة أن عدو إيران هي إيران، ليس الغرب ولا العرب. والمؤكد أنها ترتكب أكبر خطأ مرة أخرى إن خسرت علاقة حسن الجوار مع دولة مهمة لها مثل العراق، لأنه مهما كانت الحكومة التي تدير بغداد، وحتى لو كانت من الأحزاب المحسوبة على إيران، فإنها لن تستطيع السكوت عن الاستيلاء على حقول النفط، بدليل أن الأطراف العراقية الصديقة لطهران عقد لسانها في أزمة حقل الفكة ولم تستطع أن تقول الكثير مما أحرجها أمام جماهيرها الوطنية.

إيران دولة غنية بالثروات، تجلس على بحيرة نفط هائلة، لكنها تتعامل معها بنفس العقلية التي تعامل بها صدام حسين مع النفط العراقي، كان يرى فقط نفوط الجيران ويريد الاستيلاء عليها بدلا من تطوير حقوله. كان صدام يريد أن يرفع سعر النفط بقوة السلاح حتى يحل مشكلته المالية بدلا من فهم آليات السوق. حكومة نجاد، تحمل نفس ملامح حكومة صدام البائدة، اليوم تظن أن استيلاءها على حقل عراقي سيمنحها بضعة دولارات إضافية تخفف الضغط الشعبي الداخلي عليها. وإن لم يكن هدفها بالفعل سرقة النفط العراقي، فيكون المبرر الوحيد المتبقي لها هو أنها تريد أخذ النفط العراقي رهينة للمساومة عليه من أجل فك الحصار الأميركي، حيث تحظر واشنطن تصدير التقنية الأميركية وتمنع الشركات الأميركية من العمل في النفط الإيراني. أما من حيث الإشكالات الموروثة بين البلدين، الحدودية بالذات، فإن فتح جروحها اليوم سيدمي نظام نجاد أكثر مما يؤلم العراقيين.

[email protected]