هوغان.. ووضع إطار واضح لسياسة الاحتجاز

TT

منذ أن بدأت القوات الأميركية وضع الإرهابيين المشتبه بهم في غوانتانامو بكوبا، انتقلت مهمة وضع إطار لسياسة الاحتجاز في أميركا من القطاع التنفيذي إلى المحاكم الفيدرالية. وقد حمل هؤلاء القضاة - الذين ليست لديهم خبرة في قضايا الإرهاب أو الأمن القومي، بالإضافة إلى افتقارهم للثقل السياسي بالنسبة لجمهور الناخبين - نظرا لتدخل المحكمة العليا في سياسة الاحتجاز. وقد استمر ذلك الوضع نظرا لأن المسؤولين القانونين والتنفيذيين من كلا الحزبين السياسيين رفضا وضع مقاربة تشريعية شاملة لذلك النطاق الجديد من المشكلات التي تستدعي إطارا تشريعيا حاسما.

وقد أبدى الكثير من المعلقين السياسيين اعتراضهم على الوضع السياسي الراهن وما أسفر عنه من قوانين متعارضة وغير مترابطة، وطالبوا القطاعات السياسية بسن تشريع جديد يمكن عبره وضع إطار سياسي موحد وديمقراطي فيما يتعلق بسياسة الاحتجاز. وقد انضم مؤخرا لهؤلاء المنادين بوضع إطار موحد وديمقراطي صوت ذو أهمية قصوى، ألا وهو القاضي الموقر توماس هوغان من محكمة المقاطعة الأميركية بواشنطن.

ولدى القاضي هوغان خبرة خاصة بفوضى سياسة الاحتجاز المعاصرة. ولا يتعلق الأمر فقط بأنه كان أحد القضاة الذين ينظرون في التماسات أوامر مثول المحتجزين، ولكنه يتعلق كذلك بأن معظم زملائه القضاة قد طلبوا منه توحيد القضايا المشتركة وإدارتها. وباختصار فهو واحد من الأشخاص الذين فوضهم الكونغرس بمهمة وضع تلك القوانين نظرا لأنه يحمل رؤية شاملة وفهم عميق لجوانب المشكلة.

وخلال الأسبوع الماضي، وخلال حكم حول حقوق المحتجزين، أصدر القاضي هوغان إدانة لاذعة للقضاء الحالي، وطالب الكونغرس بالإسراع في المشاركة في القضايا التي تتعلق بلب النظام القضائي. وقد أعرب القاضي عن رأيه قائلا: «لسوء الحظ، فإن كلا من القطاع التشريعي والقطاع التنفيذي لحكومتنا لم يتحركا بقوة لوضع قواعد وقوانين محددة وواضحة للتعامل مع مثل تلك القضايا». وعلى الرغم من أنه أقر بأن القضاة على اختلافهم «يعملون بجد واجتهاد وبإيمان عميق» فإنه أعرب عن استيائه لـ«اختلاف القواعد والإجراءات التي يطبقها القضاة المختلفون». بالإضافة إلى «اختلاف القواعد والقوانين المتعلقة بالأدلة، والاختلافات الموجودة في القانون الموضوعي نفسه». ويرى القاضي هوغان، أن ذلك «يبرز الحاجة لوجود حلول تشريعية قومية بمساعدة الهيئات التنفيذية للتعامل مع تلك الأمور كما يجب وبشكل موحد وعادل لكل الأطراف المعنية».

وقد نأى الكونغرس بنفسه عن تلك القضايا نظرا لعدة أسباب منها ذلك المزيج من إخفاق إدارة بوش في الاستعانة بالكونغرس وميل أعضاء الكونغرس الطبيعي لتجنب تحمل مسؤولية القرارات الصعبة، التي يمكن أن يتعرضوا للمساءلة بشأنها لاحقا. ومؤخرا، كانت إدارة أوباما تحاول الابتعاد عن إنفاق المزيد من رأس المال السياسي لتنظيف ما تراه باعتباره الفوضى التي خلفتها الإدارة السابقة. وبدلا من التعامل مع سياسة الاحتجاز بفعالية، تبنت مقاربة بوش لتحديد سياسة الاحتجاز من داخل المحاكم. والمثير للسخرية، أنه يبدو أن القاعدة الشعبية للرئيس أوباما ترحب بتبنيه لمقاربة بوش - وهي المقاربة التي كان يدعو لها الليبراليون - أكثر من المقاربات الأخرى التي تطالب بوضع قواعد وضوابط للاحتجاز في القانون التشريعي.

وكما قال القاضي هوغان، فهذه ليست الطريقة الملائمة لوضع سياسة، نظرا لأنها تخلف حالة من الغموض حول سياسة الاحتجاز، كما أنها تطيل أمد التقاضي وتقلل من مصداقية القرارات المختلفة.

وتمثل خطة إغلاق معتقل غوانتانامو وخطة الاستحواذ على منشأة الاحتجاز الجديدة في ألينوي الفرصة المثالية لتصحيح الأزمة. وسيكون على الإدارة أن تتعاون مع الكونغرس حتى وإن كان ذلك لكي يتمكن أوباما فقط من نقل المحتجزين لموقع جديد. ولكن إذا ما توقفت الهيئات التشريعية عند ذلك الحد، فإن إنجاز السياسيين سيكون مقتصرا على نقل موقع المحتجزين بدلا من وضع الحدود لسياسة الاحتجاز وتقويتها.

وعلى النقيض من ذلك، فإذا ما كان الكونغرس والإدارة يميلان للالتزام بالواجبات الدستورية فسوف يستفيدون من الخبرة التي خلفتها ثمانية أعوام من الأحكام القضائية، والمناقشات القانونية والدراسات لكي يتمكنا في النهاية من وضع قوانين واضحة ومستقرة. ومما لا شك فيه أن الكونغرس أمامه عدد لا حصر له من الإشكاليات التي يجب عليه التعامل معها، ولكنه على الأقل يجب أن يضع تعريفا واضحا لمن الذي يمكن احتجازه، ووضع نظام منطقي من القوانين الإجرائية والقوانين التي تعتمد على الأدلة لتحديد من الذي ينطبق عليه تعريف العدو، بالإضافة إلى وضع دليل إرشادي فيما يتعلق بمدى التزام الحكومة بالكشف عن تلك الأدلة أمام محاميي المحتجزين.

والهدف ببساطة هو أن يتم استبدال ما أطلق عليه القاضي هوغان «إجراءات أصدرتها المحكمة وأصدرتها بنفسي في إطار توجه جديد لم يتم اختباره» مع واحد يحمل الطابع التشريعي وتوقيع الرئيس، وهو ما يجيب على بعض الأسئلة السياسية الصعبة التي مررتها مؤسساتنا السياسية للمحاكم. وفي تلك الحالة يصبح دور المحاكم هو الفصل في قضايا المحتجزين بدلا من سن قوانين متناقضة يضطرون بعد ذلك لتطبيقها.

يقوم جاك غولدسميث، بالتدريس في أكاديمية القانون بهارفارد ويعمل كمساعد للمحامي العام في إدارة بوش. بينيامين ويتس هو المحرر السابق بـ«واشنطن بوست» ومن كبار زملاء معهد بروكينغز ومحرر «إضفاء الشرعية على الحرب على الإرهاب: أجندة الإصلاح». وكلاهما عضو في فرق عمل مؤسسة هوفر للقانون والأمن القومي.

* خدمة «نيويورك تايمز»