احسمها يا وزير!

TT

انتخابات الغرف التجارية وأنشطتها بالمملكة العربية السعودية دائما ما تستحوذ على حيز غير بسيط من اهتمامات الناس بها، فهي الواجهة الأساسية والأهم التي تعرّف المهتمين على «اتجاهات» السوق وبعض رموزه و«نوعية» الآراء التي سيتبناها قطاع الأعمال في المراحل القادمة. وهذه السنة شهدت ساحة انتخابات الغرف التجارية أحداثا لافتة ومهمة نتجت عنها مفاجآت سارة وكثيرة أخرى غير سارة. ففي انتخابات الغرفة التجارية بالأحساء حدثت وقائع شغب ومهاترات وتشابك بين الأطراف المرشحة إلى ما يشبه حلبة مصارعة في بعض الأحيان، وآلت النتائج إلى ما آلت إليه، وبحكمة تحسب له اتخذ وزير التجارة قرارا بأن يولي مسؤولية رئاسة الغرفة لشخصية توافقية بامتياز وهو صالح العفالق المنتمي لأسرة تجارية معروفة ويتمتع بحس مسؤول وأخلاق مشهود لها مما نال رضا الأطراف المتشنجة وتم إنهاء المشكلة، التي كان من الممكن أن تتفاقم، بعقلانية وفعالية.

وبعد فترة صدر نظام جديد لانتخابات الغرف التجارية يحدد حق التصويت بمبدأ صوت واحد لمرشح واحد بشكل حصري، منهيا بذلك فكرة التكتلات والمجموعات التي كانت عادة ما تكتسح وتحقق مبتغاها.

وأتت بعدها انتخابات الغرفة التجارية بجدة، وهي الانتخابات التي شهدت صراعات عنيفة واتهامات بشراء الأصوات، تم بالفعل تسجيل بعض وقائعها، وتطور الموضوع ليتحول إلى تشابك بالأيدي والألسن بشكل مؤسف وبدأت بعض الأطراف في استغلال سيئ للأجهزة الحديثة والتقنية المتقدمة لنشر الأخبار والإشاعات وتأليب الناس على المرشحين وتزكية بعضهم بأنهم «ممن يخافون الله» وآخرين بأنهم ليسوا كذلك، وغيرها من الأساليب المقززة. وانتهت الانتخابات وخرجت النتائج بما خرجت وبدأت موجة أخرى من التطاحن والتناحر على منصب رئاسة المجلس، وتدخلت الوزارة من جديد بعقل وروية لتختار أيقونة من أيقونات مجتمع الأعمال العربي وهو صالح كامل لتحسم المسألة فورا ويتم التعامل مع المسألة، وهو اختيار نال رضا واحترام الكل بشكل واضح.

والآن انتهت فصول انتخابات الغرفة التجارية بالمنطقة الشرقية بعد سلسلة من الأحداث الحزينة التي قلبت الصراع الانتخابي إلى معارك «قبلية» تمزق وتفرق ولا فائدة مرجوة منها واستخدمت أساليب مخجلة لشراء الأصوات كدفع رسوم أو حتى تقديم ساعات باهظة الثمن كهدايا. حتى الرسائل الإلكترونية ومواقع المنتديات الموجهة لم تسلم هي الأخرى من اختراقات مخجلة؛ فظهرت رسائل توصي بالتصويت لصالح مرشحين وصفتهم بأنهم «أكثر مواطنة» وذلك بأسلوب مليء ببذور الفتنة والتشكيك. هذا بدلا من إبراز مزايا وعيوب البرامج الانتخابية لكل شخص على حدة كما هو متبع ومعروف في الانتخابات المحترمة، وشهدت القاعة الانتخابية تجاوزات خطيرة تمثلت في وصول مجاميع من الحافلات التابعة لإحدى مؤسسات أحد المرشحين المحملة «بمصوتين» لصالح مرشح بعينه متجاوزين صفوف الانتظار ومزاحمين للموجودين سلفا في القاعة محدثين هرجا ومرجا أثّر على «سوية» الانتخابات نفسها وهو الذي جعل أحد المرشحين يصيح بصوت عالٍ منتقدا الوضع الحاصل.

وجاءت كل هذه الفوضى وسط أخبار تم تناقلها عن استفادات شخصية للمناصب واستغلال الغرفة نفسها للتأثير على بعض وسائل الإعلام.

ويبدو الأمر أنه بحاجة لتدخل الوزير مجددا لوضع حد لما حدث وإعادة الأمور إلى نصابها وذلك باختيار رمز حكيم وواجهة كريمة لرئاسة الغرفة التجارية بالشرقية. وهو قرار مطلوب ليليق بتاريخ تليد لغرفة عريقة شهدت رموزا مهمة للاقتصاد السعودي وأسماء كتبت بحروف من ذهب ليخلدها التاريخ، وأعلاما مثل المعجل والقصيبي والتميمي والزامل وفؤاد وغيرهم.

المشهد الحزين الذي آلت إليه الغرفة التجارية بالشرقية بحاجة لأن يزال عنه غبار الفوضى ويعاد إليه مفهوم الرزانة والحكمة والسوية، وهو خبر ينتظره مجتمع الأعمال بصبر كبير.

[email protected]