عراقيون ولكن..

TT

لا يملك المتابع للشأن العراقي إلا التعجب وهو يرى حجم الانحدار في السجال الانتخابي، بل والحرص على إيران أكثر من الحرص على العراق نفسه. خير مثال على ذلك هو ما يتعرض له كل من نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي الذي يجابه بهجوم شخصي تجاوز حدود المعقول، ورئيس الوزراء العراقي السابق الدكتور إياد علاوي.

ففي الوقت الذي تصدى فيه الهاشمي للدفاع عن قضايا وطنية بحتة، مطالباً بحقوق العراقيين الموجودين في الخارج، حين اعترض على قانون الانتخابات العراقي الذي يحرم العراقيين في الخارج من ممارسة حقهم في التصويت، خرج البعض في العراق للهجوم على الهاشمي شخصياً، وتصويره بالرجل الطائفي الذي ينافح عن السنة فقط. وهذا أمر غير صحيح؛ فالعراقيون الذين هم خارج العراق ليسوا كلهم سنة، كما أنه ليس جميعهم ممن كانوا محسوبين على البعث.

فالمشكلة أن لدى البعض ذاكرة قصيرة، حيث تناسوا أن مسيحيي العراق، وغيرهم من الطوائف الأخرى، قد تعرضوا لقمع منظم مما أدى إلى خروجهم من بلادهم، ناهيك عن عراقيين آخرين غادروا فور سقوط النظام السابق، ولذا فإن دفاع الهاشمي عن عراقيي الخارج ليس أمراً طائفياً، كما أسلفنا، بقدر ما أنه عمل وطني.

وهذا ليس كل شيء، فحالياً لدينا مثال أوضح، من مسلسل استهداف علاوي والهاشمي وقبلهما بالطبع جواد البولاني على خلفية التفجيرات الدامية في بغداد، فمن أجل أن تتضح الصورة لا بد من مراقبة ما يحدث اليوم بالعراق بعد اعتداء إيران على بئر الفكة؛ فبينما تتصدى كتل الهاشمي وعلاوي للاعتداء الإيراني على البئر العراقية، ويجاهر طارق الهاشمي بالدفاع عن أرض بلاده متهماً إيران صراحة بأن لها مطامع بالعراق وثرواته، وأن طهران مصدر عدم استقرار في المنطقة، يخرج رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مهاجماً الهاشمي شخصياً، ومتهماً إياه بأنه كان ضابطا فاشلا في الجيش!

وها هما «حزب الدعوة» و«المجلس الإسلامي الأعلى» ينتقدان من سمّياهم بأصحاب «التصعيد الإعلامي ضد إيران»، والمقصود علاوي والهاشمي بالطبع، بل إنهما يحاولان ربط كل من يحتج على احتلال إيران لبئر الفكة العراقية بالنظام السابق، فها هو القيادي في «حزب الدعوة» علي الأديب يقول إن من يصعّدون قضية الفكة يملكون ثقافة التأزيم وثقافة صدام حسين! ويكفي هنا التذكير بما قالته النائبة عن القائمة العراقية عالية نصيف جاسم إن «جميع أعضاء مجلس النواب أبدوا استغرابهم لعدم مناقشة خرق إيران للسيادة العراقية، ورغم أهمية الموضوع نجد صمت السياسيين أمرا مخجلا جدا».

كل ما سبق يؤكد ما قلته بمقال «حسنا فعل الإيرانيون بالعراق» (20 ديسمبر 2009)، بأن احتلال طهران لبئر الفكة سيساعد العراقيين على معرفة من هو مع العراق والعراقيين، ومن هو مع إيران ولو على حساب احتلال أرض عراقية، كما سيكتشف العراقيون صحافة طهران، وكتابها، في العراق، كما سيتعرفون على الساسة المحسوبين على إيران في بلادهم، كما أن أهمية الخطأ الإيراني، باحتلال بئر الفكة، أنه جاء في توقيت جيد يساعد العراقيين في اختياراتهم الانتخابية القادمة.

[email protected]