تركيا: هل هو انفتاح ديني حقا؟

TT

هل يمكن اعتبار تركيا بلدا نموذجيا في تطبيق وممارسة الحريات والشعائر الدينية؟.. لا.

هل الدستور التركي والقوانين والاتفاقيات الدولية المعمول بها اليوم قادرة على حماية حقوق المواطنين على مختلف ميولهم وانتماءاتهم الدينية؟.. لا. هل من الممكن وصف إجراءات وتدابير حكومة العدالة والتنمية في التعامل مع مطالب شرائح المجتمع التركي وتركيبته الدينية المتخذة خلال السنوات السبع الأخيرة التي أمضاها متفردا في الحكم بالمطمئنة والناجحة؟.. لا. هل يحمل المستقبل القريب بشائر تفاؤل واحتمالات حل مثل هذه المسائل التي قد تريح حكومة أردوغان وتخفف عنها بعض الضغوطات التي تتعرض لها من الداخل والخارج؟.. لا أخرى وليست أخيرة.

تعالت الأصوات في الآونة الأخيرة من قِبل الأقليات الأرثوذكسية وبطريركها برتولوميوس مطالبة بإزالة حالات الغبن ومنح الكنيسة حقها في فتح مدرسة الرهبان في جزيرة «هيبلي» والاعتراف بالكنيسة وشخصيتها وموقعها المسكوني العالمي معلنا أنه لم يعد أمامه سوى خيار وحيد لانتزاع هذه الحقوق والمطالب وهو اللجوء إلى محكمة العدل الأوروبية في ستراسبورغ.

البطريرك الأرثوذكسي الذي وصف نفسه بمواطن من الدرجة الثانية في البلاد وبأنه «يصلب يوميا» -كما قال- بسبب ما يعانيه من صعوبات في تأمين الرهبان ورجال الدين لإقامة الشعائر والطقوس الدينية في أكثر من كنيسة ودور عبادة والذي تعرض لانتقادات كثيرة بسبب ما قال أهمها جاء من قبل أحمد داوود أوغلو الذي تمنى أن يكون ذلك «زلة لسان» لا أكثر، بإمكانه أن ينفذ تهديداته طبعا لكن ما لا يمكن للبطريك تجاهله هو أنه ليس وحده في المحنة والمعاناة، فموضوع الحجاب ودخوله الحرم الجامعي ومعاهد التدريس ما زال ينتظر منذ سنوات الحل البديل الذي وعدت به حكومة العدالة والتنمية ولكنها لم تعلنه حتى الآن خصوصا أن محكمة ستراسبورغ أحالت القضية على الأتراك أنفسهم ليبحثوا عن الحل الملائم بعدما رأت أن شكل النظام وطبيعته ومواصفاته لا تسمح بأكثر من ذلك. كما أن الجماعات العلوية التي تمثل الملايين في تركيا تصرخ وتعترض منذ أمد طويل مطالبة بمنحها الخصوصية الدينية الثقافية الفكرية.

قبل أيام بدأت الصحف التركية تتحدث عن حلحلة مؤقتة تحقق جزءا من مطالب بعض الأقليات وتحمل الهدوء عشية استعداد الاتحاد الأوروبي لإطلاق حملة جديدة من المطالب والإصلاحات والتي تشير إلى اقتراب موعد انفجار دبلوماسي وسياسي في العلاقات التركية الأوروبية سببها جمود الملف القبرصي ومراوحة الحوار والنقاش في مكانه منذ أشهر دون تحقيق أي تقدم في قضية فتح المرافئ التركية أمام السفن القبرصية اليونانية.

فالأخبار الواردة من مدينة فان تقول إن وزارات الداخلية والخارجية والعدل والثقافة التركية التقت حول السماح بإقامة احتفال ديني مرة كل عام في «أكدمار»، الدير التاريخي الذي كلف ترميمه وإصلاحه ملايين الدولارات، ورفضت الدياسبورا الأرمنية في معظمها المشاركة في إعادة افتتاحه لأنه حول إلى متحف-كنيسة مما أغضب أرمن الداخل والخارج. أنباء مماثلة مصدرها مدينة طرابزون الواقعة على سواحل البحر الأسود ومركز حضارة البونتوس المسيحية تشير إلى استعدادات مشابهة لفتح دير «سومالا» التاريخي الذي بُني في صخور الجبال على ارتفاع 1200 مترا عن سطح البحر والذي توليه الكنيسة الأرثوذكسية اهتماما بالغة أمام الوافدين لأداء الصلاة رمزيا هناك مرة واحدة في العام في محالة لإنهاء أزمات تواجهها الإدارات المحلية كل صيف بسبب اعتراضات وانتقادات مئات المصلين القادمين من اليونان وروسيا لكنهم يعودون أدراجهم خائبين أمام تصلب السلطات في مواقفها.

شبان أتراك يتناقلون عبر الإنترنت تعليقات ساخرة ومنتقدة لما يجري معلنين أن الخطوة المقبلة ستكون مع وضع «أيا صوفيا»، الكنيسة التي حُوّلت من جامع إلى متحف في إسطنبول بتصرف رجال الدين المسيحيين وزوار المكان الراغبين في إقامة شعائرهم الدينية هناك باسم السياحة أولا ولإظهار تركيا كأنها تتغير وتتبدل في مسائل الحريات الدينية ثانيا ولتخفيف ضغوطات الاتحاد الأوروبي ثالثا.

ويبقى السؤال الأبرز مطروحا: هل ستكتفي الأصوات المعارضة والمنتقدة والمطالبة بمزيد من الحريات الدينية بهذا الحجم من التغيير والانفتاح أم أنها خطوة تريد حكومة العدالة والتنمية لعب جوانبها الأخرى لتبرير إطلاق حملة تغيير وإصلاح شاملة سياسية ببعد ديني تحقق للكثير من الجماعات الدينية على مختلف انتماءاتها مطالبها في إقرار دستور حديث وقوانين جديدة تحمي بحق حرية العبادة والممارسة وتلبّي احتياجات تركيا وتزيل رواسب الماضي وسلبياته؟

كل ما نتمناه أن لا يكون ما يجري مشابها للطرفة التي رددها أرمن الأناضول لسنوات طويلة حين قرر أحد أرمن العهد العثماني تقليد جاره المسلم بنحر أحد الخراف في عيد الأضحى فوجد نفسه يفشل في ذلك ليترك الضحية بين الحياة والموت ويركض باتجاه أقرب مسجد يدخله والسكين المسنونة بيده وثيابه ملطخة بالدماء يصرخ في وجه المصلين مَن المسلم بينكم؟ وغايته إنجاز المهمة بأسرع ما يمكن، فأشار الجميع إلى الإمام الذي تصبب عرقا إلى أن عرف بنية الرجل.