عقدت من أجل الصناعيين

TT

أخيرا، قمة لخير البشرية. ليست حول السياسة ولا حول الحروب بل حول ما فعله الإنسان في حق الأرض والمياه والطيور والإنسان. لم يدمر البيئة أحد سواه. رفع معدل الأعمار وخفض مستوى الحياة. زاد في سرعة النقل وخفض في نسبة الأوكسجين. توصل إلى الدفء ورفع حرارة المناخ حتى صارت البحار تفيض واليابسة تهتز.

لكنها قمة حسنة في أي حال. الإنسان يناقش بقاءه لا بقاء سادته. ولا بد أن نتفاءل بأن مدمري البيئة الذين يعكرون علينا الحياة ويهددون مستقبل الكائنات، قد يضبطون قليلا. فقط قليلا. فكل دولة تبحث عن مصالحها الآنية حتى لو كانت ضررا على سواها. حتى كندا، إحدى أكثر الأنظمة تحضرا، انسحبت من معاهدات المناخ لكي تستمر في استخراج النفط الرملي من حقول مقاطعة ألبرتا. ولا تزال أميركا طبعا، باعتبارها الدولة الصناعية الأولى، الأكثر اعتداء على مسلك الطبيعة ونظام الأرض.

شعر العالم الصناعي أخيرا بالخطر فتوجه إلى كوبنهاغن. أين كانت القمم منذ نصف قرن، ونحن نسمع عن فيضانات بنغلادش والهند والدول الفقيرة التي تطمرها مياه الأمطار الموسمية؟ لم نسمع صوتا في الماضي ولم نشاهد حركة. كان الفقراء يموتون بعشرات الآلاف كل عام. ولم تكن المسألة تحتاج في بعض الأماكن إلى أكثر من سدود بسيطة من أجل رد الموت عن الضحايا. لكن ذلك لم يكن يعني أحدا، لا في كوبنهاغن ولا في سواها. لن تتحرك الدول الصناعية إلا إذا هُدد دخلها. وقد نقلت مصانعها وتلوثها وأخطارها الكيميائية إلى البلدان الفقيرة، حيث السموم ليست خاضعة للقانون والمقاضاة. وخصوصا إلى الهند. وقد كنا في العالم العربي أقل صحافة وشعوب الأرض اهتماما بقمة كوبنهاغن. أولا، لأن ثقافة البيئة لا تعني لنا شيئا، وثانيا لأن همومنا أكبر وأكثر من أن تبقي فسحة لقضية مستقبلية جماعية في هذا الحجم. ولا نعرف معنى الفيضانات إلا بعد أن تدخل إلى بيوتنا وتشردنا. ونحن شعب لا نعجن ولا نطحن إلا السياسة، والسياسة جعجعة ولا طحن. السياسة مخدر لنسيان الفقر والتخلف والعوز والجهل، فيما الشعوب تسعى في الأرض لخير أممها وازدهار أوطانها وكرامة أبنائها.