أهرام الجيزة وقمل الجاحظ!

TT

المصريون بنوا الأهرام.. وبرعوا في ذلك. ولا بد أن لديهم قواعد أقاموا عليها هذه الأبنية الضخمة. كان المهندس المصري يستخدم أربعة ملايين حجر دون استخدام للاسمنت ولا أية مادة تمسك الأحجار. هذه عبقرية. ولكن المصريين لم يخلفوا لنا هذه القواعد. ولا تركوا لنا النظرية التي على أساسها أقاموا هذا الشموخ المعماري - هندسي تطبيقي فلكي أيضا، لدرجة أن هناك من يؤمنون بأن الأهرامات قد استخدموا فيها الجن.

ما المعنى؟ المعنى أننا برعنا في التطبيق دون أن يكون عندنا نظرية رياضية. فالإغريق هم عباقرة النظريات والفلسفات. فالعالم كله يعرف أن الحديد يتمدد بالحرارة. ولكن الآخرين ذهبوا إلى أبعد من ذلك فكتبوا لنا النظرية.

الفراعنة جعلوا أشعة الشمس تنعكس على تمثال الملك في يوم معروف كل سنة. كيف؟ لديهم نظرية. ولكن لم يفصحوا عنها!

والمفكرون العرب كانت لهم ملاحظات ذكية، ولكنهم توقفوا عند ذلك.. ولم تكن لهم نظرية. مثلا يقول الجاحظ إنه لاحظ أن القمل في الشعر الأسود يكون أسود وفي الشعر الأبيض يكون أبيض وفي الشعر المخضب بالحناء يكون أحمر، وهذه ملاحظة ذكية وبس. لم نعرف أن الحشرات تغير لونها حسب البيئة حتى لا تهتدي إليها الحيوانات الأخرى فتأكلها، فهذه ظاهرة التكيف مع البيئة.

العالم البريطاني العبقري دارون استطاع. ملأ جيوبه بأشكال وأحجام وألوان من المحار وأوراق الشجر. وقرأ سرها وقواعد سلوكها عبر ملايين السنين. فكانت نظرية التطور والبقاء للأصلح والأقدر على التكيف مع البيئة. ولم يقل إن الإنسان أصله قرد لمجرد التشابه. ولكن الإنسان ابن إنسان من ملايين السنين حتى وصلنا إلى الصورة التي عليها دارون. أما القرود فهي قردة أولاد قرود. ولم يلاحظ أنها تطورت في ملايين السنين فكانت بشرا..

وقد لاحظ (إخوان الصفا) أن الناس يبهرهم الفيل بحجمه الضخم. ولو نظروا إلى البقة الصغيرة لوجدوها أعجب. فالفيل له أربع أرجل، البقة لها ست ولها عينان ومعدة وجهاز للهضم والتنفس. ثم إن البقة تستطيع أن تلسع الفيل ويعجز عن التخلص منها. فأيهما أغرب وأعجب؟ ولكن (إخوان الصفا) لم يضعوا نظرية علمية لتطور هذه الكائنات ومتى ظهرت على الأرض. وكيف كانت أصولها وكيف قاومت العواصف والبراكين ووصلت بعد ملايين السنين!