(أميري برجوازي).. أم (برجوازي أميري)؟!

TT

الدولة أو الشعب أو الوطن - سمّوه ما شئتم - لا يجدي معه شيء، لا كبر حجمه يجدي، ولا كثرة عدده، ولا حتى غزارة موارده، إذا كان خاملا جاهلا لا يتطلع للأمام.

وما أكثر البلاد التي جنت عليها (هرطقاتها)، في عالم يتصارع ويتسابق بعضه مع بعض في ملعب الحياة (الأولمبي)، والبقاء فيه فقط (للأقوى والأسرع والأعلى).

إن الذباب لا يعشق ولا يتكالب إلا على الأعين والأفواه المفتوحة للنائمين.

والسؤال (السهل الصعب) الذي نلوكه دائما بألسنتنا هو: لماذا نحن العرب نكاد نكون باستمرار في ذيل القائمة بين الدول؟! والجواب الجاهز عن هذا السؤال يأتي دائما من (المتشدقين المتقعرين الحالمين) عندما يقولون من دون تردد ولا تفكير: لأننا نسينا أمجادنا الغابرة، وتاريخنا المضيء، ولم نقتد بأسلافنا الأماجد.

هل لاحظتم أنهم دائما يلتفتون للخلف؟! لهذا يحق لي أن أقول: يا ليتنا ننسى أمجادنا الغابرة، ونمحو من أذهاننا تاريخنا (الماضي) المضيء، ونضع أسلافنا الأماجد على (الرف) مبجلين مكرمين محترمين. يجب أن نعي جيدا أننا اليوم، أبناء القرن الواحد والعشرين، وإذا لم نفعل ذلك نفسيا وفكريا وعمليا فلن تقوم لنا قائمة.

فهناك دول تضع خططها من الآن لما سوف تفعله في القرن (الثاني والعشرين)، ولا يزال فلاسفتنا الجهابذة يعزفون الربابة على حضارة الرازي وابن الهيثم وعباس بن فرناس.

هل سمع أحدكم بإمارة يقال لها (ليشتنشتاين)؟! أكيد هناك من سمع بها، هذه الإمارة ليست كبيرة، ولا كثيفة السكان، ولا غنية الموارد، فمساحتها لا تزيد على (160) كيلومترا مربعا، وعدد سكانها لا يتجاوز (40) ألفا، وهي قابعة بين سويسرا والنمسا على أرض جبلية وعرة، كان أهلها رعاة ومزارعين، ثم اتجهت للصناعة، وبرعت أول ما برعت في صنع مواد ومعدات لطب الأسنان، ثم اكتسحت العالم بتصدير (الأسنان الاصطناعية)، ولو أنك شاهدت خمسة أشخاص يلبسونها فثق أن ثلاثا منها قد صنعت في تلك الإمارة، وأعرف أحدهم وكان فخورا بأسنان زوجته الصناعية (MADE IN LIECHTENSTEIN)، وهو يقول إنها أقوى من (كسارة البندق).

وبعد ذلك اتجهت إلى تصنيع قطع السيارات، ومن زبائنها: فيات، وفولفو، وكرايزلر، وفورد، وأودي، وبي إم دبليو، وفولكسفاغن، وقد صنعت إلى الآن أكثر من (2.5) مليون قطعة فولاذ من دون عيب واحد.

والبطالة فيها تكاد تكون غير موجودة، وآخر إحصاء دل على أن هناك 36 عاطلا فقط، منهم أربع نساء حوامل على وشك الوضع، ونسبة العاملين فيها تفوق نسبة العاملين في ألمانيا الغربية وأميركا، واستطاعت أن تتغلب على قلة الأيدي العاملة باستيرادهم من سويسرا والنمسا.

وفي عام 1923 عملت اتفاقية مع سويسرا على الصعيد التجاري وكأنها جزء منها، وهي تعتمد على الفرنك السويسري كعملة رسمية، والآن أصبح الناس يقولون: إذا أردت مصرفا سويسريا حقيقيا فتوجه إلى (ليشتنشتاين).

وخلافا لبلاد أخرى فإن الأمير يسكن في قصر عمره (700 سنة)، ووظيفته الرئيسية هي أن يبعث الاطمئنان والثقة في شعبه، فليس هناك جيش في هذه الإمارة منذ عام 1868، وفيها حزبان سياسيان هما: حزب الاتحاد الوطني، وحزب المواطن التقدمي، ولا فرق بينهما، وسكان البلاد يمزحون قائلين: الحزب الأول: (أميري برجوازي) والثاني (برجوازي أميري)، وكلا الحزبين يعتمد على الشعار ذاته: الإيمان بالله، والثقة بالأمير، وموطن الأجداد.

وتتكون الحكومة من خمسة أشخاص فقط، اثنان منهم يعملان (دواما كاملا) هما رئيس الوزراء ونائبه، ونادرا ما تتدخل الحكومة في الاقتصاد، ووظيفتها الرئيسية إنتاج طوابع البريد وتصديرها للخارج.

أخلص وأقول: لا المساحة ولا العدد ولا الثروة ولا التاريخ ولا القصائد ولا الميكروفونات هي التي تصنع أمة حية، لا يصنعها غير العلم (الحقيقي)، والعلم وحده - طبعا بعد مشيئة الله.

[email protected]