هل الشيخ عائض القرني سني؟

TT

أستميح القلب الكبير الذي يختزنه صدر الشيخ ذي الشعبية العريضة عائض القرني على هذا العنوان الذي سيعتبره بعض محبيه «استفزازيا»، وبودي ألا يتسرع أحد بهذا الحكم حتى يقرأ آخر حرف في هذه المقالة، لقد تساءل الشيخ يوم 15/12/2009 في عموده في هذه الصحيفة فقال ما معناه: كيف يسمينا القرآن «المسلمين» (هو سماكم المسلمين من قبل)، والمسلمون فرقوا أنفسهم إلى عشرات الفرق ومئات الجماعات والمذاهب، إلى حنابلة وشافعية ومالكية حنفية وظاهرية وأهل الحديث وأشاعرة وماتريدية وشيعة وإسماعيلية وفاطمية وإخوان مسلمين وتبليغ وتحرير وجهاد وتكفير وهجرة وإنقاذ وعدالة وتنمية إلخ.

سؤالي لفضيلة الشيخ عائض هو: هل يعتبر الشيخ نفسه منتميا لطائفة أهل السنة؟ فإن كان الجواب بنعم، فقد خالفنا إلى ما نهانا عنه، فالله جل في علاه هو الذي سمانا «المسلمين» ولم يسمنا أهل السنة، وهذا محصلة منطقية لجدلية الشيخ المبنية على فهمه للنص القرآني الآنف ذكره، وإن قال: إنه ليس من طائفة أهل السنة بل هو مسلم، فهذا جواب يتسق تماما مع جدلية الشيخ ولكنه يتناقض تناقضا صارخا مع ما أجمع عليه المسلمون على كوكبنا قديما وحديثا بشتى طوائفهم ومذاهبهم ونحلهم ومللهم، فالمسلمون من أهل السنة يسمون أنفسهم «سنة»، والطوائف الأخرى مثل الشيعة يسمونهم سنة، بل وحتى أتباع الديانات الأخرى والوثنيون والملحدون واللادينيون، يسمونهم مسلمين سنة، إذن فهناك إجماع عالمي وليس إسلاميا على قبول هذه التسمية. أنا طبعا أستبعد تماما ألا ينسب الشيخ نفسه إلى أهل السنة، وأعلم يقينا أن الشيخ بغيرته المعروفة وحماسته المشهودة، قد استفزه وهاله هذا التفرق والتشرذم بين المسلمين والتناحر بينهم وارتفاع وتيرة التعصب حتى أصبح بعض المسلمين كل حزب بما لديهم فرحون، كما أن فضيلته يدرك أن كل هذه المذاهب والملل والنحل مخرجات لاجتهادات وأن بعض هذه الاجتهادات لها أبعاد وخلفيات سياسية تحولت مع الزمن إلى طوائف لها أصولها ومرجعياتها المختلفة مثل الخلاف السني الشيعي، وأن بعض هذه الاجتهادات تتمحور حول فهم النص لمعرفة مراد الله سبحانه أو مراد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، كالخلاف بين فرق السنة من أهل الحديث والأشاعرة، والخلاف الفقهي بين المذاهب السنية الأربعة، أو أنها أحيانا اجتهادات في ترتيب الأولويات في معالجة أمراض وتخلف الأمة الإسلامية الذي يدرجه الشيخ القرضاوي تحت اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، فأهل الحديث في الحديث، والإخوان المسلمون بمدارسهم المختلفة من خلال التربية الفردية وخوض المعترك السياسي، والتبليغ في تبليغ الدعوة في أصقاع كوكبنا، والتحرير في عودة الخلافة، والجهاديون في إحياء فريضة الجهاد... إلخ، وكل أفراد هذه الفرق والمذاهب والجماعات منهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن ربه.

المحصلة التي وددنا، من حبيبنا وحبيب الملايين الشيخ عائض، إدراكها هي أن المشكلة ليست في الأسماء ولا في الرايات ولا اللافتات ولا في الانتماء المذهبي أو الفقهي، فهذا قدر إلهي نافذ وحتمية دينية ماضية، فالمطالبة بتلاشيها وإلغائها من خارطة العالم الإسلامي نوع من السير في الاتجاه المعاكس للأقدار الإلهية النافذة مثل الذي يدعو بإهلاك عموم النصارى مع أن النصوص الشرعية تضافرت على أن الساعة تقوم وهم أكثر البشرية، المطلوب التعايش مع هذا الاختلاف أيا كان نوعه، ثم محاربة التعصب المقيت للمذاهب والأحزاب والجماعات والآراء والاجتهادات، وحتى الديانات والبلدان والأوطان، التعصب المذموم الذي أيقظ فتنا وأشعل حروبا ودمر بلدانا وأهلك حرثها ونسلها.