فكيف نفرح؟

TT

«الخيبة. ذلك هو ما طبع العقود الماضية بالنسبة إلى جيلي من السياسيين. لقد أخفقنا في تحقيق الدولة الفلسطينية. طوال هذا الوقت لم نشهد لحظات فرحة. رأينا فقط أزمات ونزاعات. وكيف يمكن لك أن تفرح في أي شيء يحدث وأنت ترى الفلسطينيين يعيشون بالطريقة التي هم عليها الآن؟».

هذا هو المقطع الذي لم ينقل في الصحف العربية من مقابلة الأمير سعود الفيصل مع «النيويورك تايمز» يوم الخميس الماضي. نقل منها فقط الكلام السياسي المتعلق بسلاح «حزب الله» في لبنان باعتباره يمثل موقف السعودية من المسألة. وقد أشرت إلى النص أعلاه بمصطلح «مقطع» فقط من أجل تحديد مساحة النقل، أما الكلام نفسه، فهو ليس مقطعا ولا فقرة، إنه بيان وجداني أخلاقي ضمائري، لم نعتد عليه ولم نسمع مثله في الدبلوماسية العربية.

سمعنا بطولات لفظية مملة. وسمعنا وعودا مثل الطبول المثقوبة. وسمعنا شتائم عقيمة مريضة. وسمعنا اجترارا ولغوا. وسمعنا الكثير من الربا القومي الفاضح والمفضوح. سمعنا ذلك طوال العقود التي تحدث عنها سعود الفيصل، وقبلها أيضا. فقد مضى عليه الآن 35 عاما في الخارجية، أي الفترة التي يعتبر فيها نفسه شريكا في مسؤولية الإخفاق، لكنه كان قبل ذلك يسمع، مثل أي عربي، ماذا يقال وماذا يفعل وكيف تجري السياسات حيال القضية الفلسطينية. وليس عمر الجرح 35 عاما فقط. فقط النبلاء والراقون والكبار يشعرون بالمسؤولية. فقط الذين عملوا طويلا وبعمق وصمت وكد من أجل القضية، من دون متاجرة، وتحملوا كل مفاجرة، وكل ظلم ولؤم، ونضال الإذاعات وحروب الورق ومكبرات الصوت.

راجعوا الأرشيف العربي. تذكروا جيدا كل ما قيل. لن تجدوا عربيا يحاسب نفسه وجيله بهذا الصفاء. لن تسمعوا عربيا يقول بهذا الصدق، كيف لنا أن نشعر بالفرح ونحن نرى الفلسطينيين يعيشون على ما هم عليه اليوم؟.. لم نسمع ولم نقرأ سوى الأبطال. ولم يخاطبنا أحد إلا بالتعالي والتكبر وسقط الادعاء وفاضح الأكاذيب. وكان لا بد من نبيل في مثل هذه الرفعة والمصداقية أن يقول لأكبر صحف أميركا، ما يشعر به جيل سعود الفيصل من صادقي العرب.