سنة جديدة و«تنبؤات» جديدة!

TT

التنجيم ظاهرة يرتبط رواجها بالأزمنة التي تنحسر فيها مساحات وعي الإنسان، وتكثر ضغوطاته الحياتية، ومفترق الأعوام يمثل موسم الذروة بالنسبة إلى المنجمين، الذين يسارعون مع بداية كل عام إلى إصدار العديد من الكتب التي تدّعي قراءة أحداث العام الجديد، ومنهم بعض المنجمين العرب الذين تحتفي بهم بعض القنوات الفضائية، وتفرد لهم قدرا من المساحة ضمن هيكلة برامجها.

ولهؤلاء المنجمين قدرة هائلة على الظهور سنويا في مثل هذا التوقيت ليصبوا على مسامعنا المزيد من القراءات حول العام الجديد رغم أن قراءاتهم عن العام الذي يوشك أن ينقضي لم يتحقق منها شيء، وهم يعتمدون في ذلك على ذاكرتنا الموغلة في النسيان، وعلى أزمة بعض العقول المتأرجحة بين متناقضات العصر. والإنصات لهؤلاء – للأسف - ليس وقفا على الجهلاء والعوام، ولكنه يمتد في بعض الأحيان إلى شرائح اجتماعية في مواقع وظيفية عليا كالرئيس الأميركي ريغان، والرئيس الفرنسي ميتران، اللذين يقال إنهما كانا يصغيان إلى بعض المنجمين، فأمام الوهم النفسي في إمكانية رفع بعض ستائر المجهول قد يتحول البعض إلى سذج وعوام.

وما ينبغي أن نعترف به أن هؤلاء المنجمين يتسمون بالذكاء الشديد جدا، والفراسة، والدهاء، والحيلة، وهم يسوقون قطعان «تنبؤاتهم» إلى حيث اهتمامات الناس، فيثيرون مخاوفهم حينا، ويبيعون لهم وهم الأمان حينا آخر، وقد شاهدت مرة في أحد مقاهي لندن واحدا من هؤلاء الدجالين الكبار - في «إدجوارد رود» شارع العرب الرئيسي في العاصمة البريطانية - محاطا ببعض السيّاح السذج، وهو ينظّر لهم في كل الأمور من السياسة إلى كرة القدم، وهم أمامه في حالة استلاب، فالرجل كان يجيد توظيف صوته، ونظراته، وتعابير وجهه، وغرابة مظهره في التأثير عليهم، وفرض هيمنته على آرائهم، وقد ضاق ذرعا بمناكفتي له في ذلك اليوم فآثر أن ينتقل برفقة مريديه إلى طاولة أخرى لا تجاور هذا «الجاهل» كما نعتني.

وفي موسم المنجمين الذي نعيشه فإنني سأسوق مجموعة من الأمنيات للعام الجديد في مقابل مجموعة «تنبؤاتهم»:

- أتمنى أن يكون العام الجديد عام تنوير، لا تنساق فيه وسائل الإعلام للترويج لدجل المنجمين.

- أتمنى أن يكون العام الجديد عام علم تنحسر أمامه جيوش الخرافة.

- أتمنى أن يكون العام الجديد عاما خاليا من التلوث، فلا نتعثر بكتب المنجمين في «بسطات» الأرصفة، ولا بعناوينها في فاترينات المكتبات.

- أتمنى أن يكون العام الجديد عام إيمان فنزداد يقينا بأن الله وحده علام الغيوب.

وكل عام وأنتم في أمان.

[email protected]