الأدميرال الذي عثر على القضية المحورية وقت الحرب

TT

كان هذا عاما آخر يشهد غياب قضية محورية داخل أميركا، وعلى الرغم من انتخاب رئيس تعهد بأن يتجاوز في إدارته للبلاد الاتجاهات الحزبية والعرقية، بدأ الشقاق الحزبي يسيطر تقريبا على كل موضوع أو مؤسسة هامة. ومع ذلك، كان هناك استثناء وحيد بارز تمثل في الجيش الأميركي.

ولذا فإنه مع نهاية العام، أود أن أدرس الشخص الذي بات يرمز إلى وحدة الجيش التي تتجاوز الاتجاهات الحزبية، وهذا الشخص هو الأدميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة. وأتمنى أن تظهر في العام المقبل شخصيات كثيرة على غرار مولن وعدد قليل من أمثال راش ليمبو في حياتنا على المستوى الوطني.

لقد أدار مولن عملية انتقال الجيش من حقبة جورج دبليو بوش إلى إدارة باراك أوباما، بدءا من الزيادة في عدد القوات داخل العراق، إلى انسحاب القوات الأميركية، وعمل مع الرئيس الجديد، في الوقت الذي كان أوباما يجتهد في الوصول إلى قرار حول زيادة عدد القوات داخل أفغانستان. وخلال ذلك كله، تمكّن مولن من البقاء خارج دائرة الضوء، وهو ما يجب أن يقوم به أي قائد عسكري.

لا يهتم مولن بالبهرجة ولا بجذب الأضواء، كما أنه يرقع جمله ولا يحسن الكلام العذب. ويرى أحد أصدقائه أن مولن يشبه الممثل ولتر ماتهو، وهو رجل ضخم له وجه ممتلئ وشعر مجعّد إلى حد ما، وأنه يتشبث برأيه في بعض الأحيان.

وفي خطاب قبل عدة أشهر داخل نيويورك، وصف مولن نفسه بأنه النموذج العسكري من الممثل رودني دانجرفيلد، وأشار إلى أنه عندما سألته امرأة خلال مأدبة عشاء عما كان يفعله داخل البنتاغون، وأخبرها أنه كان كبير المستشارين العسكريين للرئيس، فقالت المرأة: «يا إلهي! الجنرال بترايوس! عذرا، لم أتعرفك».

وشق مولن طريقه في أحد الأقسام غير المحببة داخل البحرية في قسم هندسة أسطول المدمرات، وكان يُكنّى في ذلك الوقت «مايك منتصف الليل»، لأنه كان يعمل بجد. وكان والده وكيل دعاية وإعلان داخل هوليوود، يتعامل مع أمثال آن مارغريت وهو ما ساعد الضابط الشاب على التعامل مع الغرور الكبير لدى قادة البحرية.

وحصل مولن على منصب رئيس هيئة الأركان بسبب سمعته كقائد ناكر للذات، وهو ما لا يكون دوما داخل البنتاغون الذي يتقاتل كل قسم فيه من أجل حماية منطقته. وعندما كان مولن رئيسا لعمليات البحرية في عام 2007، سأله المساعد البارز لوزير الدفاع بوب غيتس عن أكثر ما يثير القلق لديه، وكانت إجابته التي تعكس نكران الذات «القوات البرية الأميركية»، ويقال إن هذه الإجابة هي الشيء الذي أقنع غيتس بأنه الشخص المناسب لمنصب رئيس هيئة الأركان.

وعرف مولن أنه سيكون في الرئاسة تغيير خلال مراقبته للأمور داخل موقعه في رئاسة هيئة الأركان، وبدأ يستعد لذلك مبكرا. وكتب مقالا في يوليو (تموز) 2008 عندما شعر بعض الجنود بالقلق إزاء دخول ديمقراطي إلى البيت الأبيض وأكد على أنه «يجب على الجيش الأميركي أن ينأى بنفسه بعيدا عن الاتجاهات السياسية طوال الوقت وبالصور كافة». وكان توجيه النصح للرئيس الجديد في ما يتعلق بالحرب داخل أفغانستان الجزء الأصعب في عمل مولن، وكان هناك تحد أسبق وهو الاستبدال بالجنرال ديفيد ماك كيرنان. وعندما لم يجب ماك كيرنان على سؤال هام خلال تقرير عبر شبكة الفيديو لغيتس قال رئيس هيئة الأركان لرئيسه: «لا أعتقد أن لدينا الشخص المناسب هناك». ووافقه غيتس على ذلك، وأوصى مولن بأن يكون البديل هو الجنرال ستانلي ماك كريستال.

وخلال عملية المراجعة الطويلة التي أجراها البيت الأبيض للسياسة المتبعة داخل أفغانستان، كان أمام مولن مهمة حساسة، يتعين عليه خلالها توجيه نصائح مع عدم الضغط على الرئيس، وفي شهادة أمام الكونغرس في سبتمبر (أيلول)، أعرب عن أنه يرى أن هناك حاجة إلى المزيد من القوات داخل أفغانستان، وهو ما انتقده عليه رام إيمانويل، رئيس طاقم العمل في البيت الأبيض. ولم يستطرد مولن في كلامه بعد ذلك تجنبا لإثارة الخلاف.

وكان القرار الخاص بأفغانستان اختبارا للتوازن المدني العسكري. وكان بعض الليبراليين يشعرون أن مولن والجنرالات استمالوا الرئيس، وقال محافظون إن مولن أقر من دون تدبر جدول الرئيس للانسحاب في يوليو (تموز) 2011. ولكن القرار حقق لحظة إجماع داخل واشنطن يندر أن تعيشها الأطراف كافة.

وهناك من يوجهون انتقادات إلى مولن، ويقول البعض إنه كان «ضابطا طيبا» بصورة مبالغ فيها مع الجيش الباكستاني، وإنه ترك مسؤولين آخرين داخل الإدارة يضغطون على الجيش كي يساعد في العمليات التي تستهدف تنظيم «القاعدة». وهناك اختبار لقدرات مولن على حل المشكلات العام المقبل مرتبط بإيران. يريد مولن تجنب أي حرب أخرى داخل المنطقة، ومع ذلك قال لقادته الأسبوع الماضي: «إذا طلب الرئيس خيارات عسكرية، فيجب أن نكون مستعدين لذلك». وخلال اجتماع مع القوات داخل أفغانستان في الشهر الحالي، قدّم مولن أشياء تكشف الكثير عن طريقته في القيادة على طريقة قدوته الجنرال جورج مارشال. وقال مولن: «وجّهوا بهدوء، ووجّهوا مع الاستماع (للآخرين)». ولكنا، لم نشعر بهذه الروح خلال وقت طويل من 2009 داخل واشنطن، حيث علا فيها الضجيج.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»