غير قابل للتجزئة

TT

حاولت خلال عملي في الكويت ورحلاتي في الخليج، أن أضع عملا حول صيد اللؤلؤ، الذي كان إلى عقود طويلة، خبز الخليج (أو عيشه، أو أرزه) بالنسبة إلى الفقراء والأغنياء، التجار والنواخذة (القباطنة) والغواصين على السواء. ومع أن النتاج النهائي كان اللؤلؤ وبريقه، فقد كان البحث عنه أشقى أنواع العمل وأقساها وأصعبها. وكان الغوص، أو المورد الوحيد، مليئا بالمرارة، سواء للذين يسافرون إلى البحر أربعة أشهر متتالية هي مدة الموسم، أو للعائلات التي تبقى في الانتظار لا تدري من يعود ومن لا يعود وكيف يعود وبماذا يأتي من أعماق البحر ومصارعة «العدو الأزرق» أو الحوت.

وكانت غايتي يومها، وربما بالكثير من الرومانسية التي لم يعد لها معنى الآن، أن أضع ما ألقاه من بحث في قالب روائي، لأن لا شيء يصل إلى مرتبة الواقع، سوى إضفاء الدرامية على تواضع الحقيقة وصمتها.

في النهاية لم أوفق، فصرفت النظر عن الموضوع والمشروع ككاتب، لكنني ظللت أتابع تاريخ المرحلة كقارئ، مأخوذا بيوم كان أهل الخليج هم طليعة الكد والعذاب في العالم العربي قبل أن يتحولوا إلى قصائد مجحفة عند نزار قباني، ومقالات متخيلة - في معظمها - عند محمد حسنين هيكل، وأقصد الناحية الاجتماعية والحياتية وليست السياسية. ويسعدني، ولا يحزنني إطلاقا، أن نزار، شاعري الأحب وصديقي الحبيب، انتهى إلى المصالحة مع أهل الخليج وعاداتهم وبداوتهم، من خلال دار الشيخة سعاد الصباح، ومن خلال رفقته وصداقته للكويتي الكبير الشيخ عبد الله المبارك.

كما يسعدني، بكل صدق ومحبة، أن الأستاذ محمد حسنين هيكل أنهى عداء عمره نصف قرن مع شيوخ الخليج وأهله، من خلال قطر وفضائية «الجزيرة» التي أصبحت المنبر الذي يقول منه ما يشاء، خصوصا عن بقية أهل الخليج، دون التطرق هذه المرة إلى عاداتهم ولباسهم وكيف يترجلون من السيارات في شوارع أوروبا. المؤسف الوحيد، بالنسبة إلى عربيين في حجمي الحبيب نزار والأستاذ هيكل، أنه لا يمكن تقسيم الخليج ولا البداوة ولا السيارات الفارهة ولا النساء ولا «رؤساء التحرير» إلى قسمين. ولا إلى ثوبين. ولا إلى تقليدين. ولا إلى عادات (ين). ماذا يمكن أن نفعل؟!