.. والسفارة الأميركية في القاهرة أسوأ بكثير!

TT

من ير أميركا من الداخل وطيبة أهلها يحبها، ومن يرها متمددة خارج الحدود بكل هذا القبح، لا بد وأن يكرهها ولو كان قديسا مسالما. تذكرون قصتي مع السفارة الأميركية في الرياض، عندما قلت لكم إن أميركا الموجودة في العالم الثالث غير أميركا التي يعرفها الأميركيون في الداخل، وإن هذه السفارات هي سبب أساسي في كراهية الناس لأميركا. بعد هذه الحادثة، التقيت مساعد وزير الخارجية الأميركي جيفري فيلتمان في مؤتمر بالبحرين، وبادرني بالاعتذار عما حدث في السفارة بالرياض، وقبلت الاعتذار، ووعدني بأن الأمر سينصلح. وإمعانا مني في تقصي الحقيقة تركت قصة الرياض، وذهبت إلى أضخم سفارة أميركية في العالم، تلك الموجودة في قلب القاهرة، وهناك عرفت سر تفجير السفارات الأميركية في أفريقيا، في كينيا ودار السلام، فربما لم تكن التفجيرات بفعل «القاعدة»، بل بفعل مواطن أميركي أو مواطن آخر ممن تعاملوا مع السفارة الأميركية في بلدهم، وبعد رحلة طويلة من العذابات والإحباط من أجل قضاء حاجته، وبعد أن تركوه أياما بلا إجابة؛ قرر تفجير السفارة.

لم تكن سفارة أميركا في القاهرة مثل مثيلتها في الرياض، التي شبهتها يومها بمجمع التحرير، من حيث البيروقراطية المصرية المتبقية منذ أيام الاشتراكية، مبنى يشيع، ولا تستطيع أن تحصل على ورقة رسمية منه إلا بعد أن تشتري عشرين ورقة تمغة وتمر على عشرة موظفين في عشرة طوابق، إلا أن معاناتك في مجمع التحرير هي نزهة بالمقارنة مع السفارة الأميركية في الرياض، ومعاناتك في السفارة الأميركية بالقاهرة تجعل زيارتك لسفارة أميركا بالرياض فسحة برية.

في الرياض لا تقف سيارتك عند السفارة، بل تقف بعيدا عنها، أما في القاهرة فالسفارة تسد وسط البلد وتجعل منه جحيما للمارة وللسائقين، أمر يثير حفيظة المواطنين. السفارة أصبحت تجسيدا لكل معاني القبح في القاهرة من حيث السلوكيات ومن حيث العجرفة وقلة الأدب.

إذا كان هذا هو سلوك موظفي السفارات الأميركية في عواصم عربية مهمة كالرياض والقاهرة، فالسلوك بكل تأكيد أسوأ في سفارات أميركا في الدول الأفريقية الفقيرة والفقيرة جدا. إذا ما تضاعفت العجرفة والعنجهية وزادت عما هي عليه في القاهرة والرياض، فإنه يكون من الوارد جدا أن يرتكب أحد الشباب المحبطين، ممن ساقهم القدر للتعامل مع السفارة، حماقة في لحظة غضب قد تصل إلى تفجير المبنى بمن فيه.

كان مذهلا بالنسبة لي تفتيش البوابة في الرياض، والذي يديره بعض الإخوة من بنغلاديش والفلبين والهند الذين لا يتكلمون لا العربية ولا الإنجليزية. في القاهرة لا تستطيع حتى الدخول، هناك تقابلك رموز البلطجية والفتوات ممن وظفتهم السفارة كحراس لبوابات القنصليات، وكأن من يترددون على السفارة هم قطيع غنم، لا بشر.

ما طلبته من السفارة في القاهرة لا يختلف عن طلبي في الرياض، وهو أنني أريد أن أضيف أوراقا إلى جواز سفري، فقال لي الحارس: «نحن نعمل لساعتين فقط في اليوم، من التاسعة صباحا إلى الحادية عشرة. تعال بُكرة»، وجئت بُكرة في الموعد، ولم أدخل القنصلية. لست من هؤلاء الذين يرغبون في الوساطات، أردت أن أخوض التجربة كأي مواطن مصري عادي، ربما يكون الوضع قد تحسن بعد اعتذار السيد فيلتمان، وهو رجل قوي كان له نفوذ في الشرق أيام كان سفيرا في لبنان.

ما وجدته في القاهرة من سوء المعاملة أقنعني أن الأميركان اليوم أصبحوا جزءا لا يتجزأ من العالم الثالث، ثقافة وفسادا وبيروقراطية. وأتمنى أن يفتح الكونغرس تحقيقا حول ما يحدث في سفارات أميركا في الخارج، فهذا السلوك هو الذي يجلب الكراهية لأميركا، ويكفي أيضا إذا زادت الأمور على الحد، أن يؤدي إلى تفجير السفارات. أميركا لا تحتاج إلى «القاعدة» كي تتفجر السفارات، تحتاج فقط إلى مزيد من الموظفين المحليين الذين تختارهم السفارة في القاهرة.