من هو ماكين الحقيقي؟

TT

وانتهت ثورة المتمرد.

لم يعد جون ماكين هو الشخص الذي تحتفي به وسائل الإعلام وصوت حزبه العالي، كما لم يعد هو ذلك الشخص الذي يغرق الاجتماعات بتلك الحالة المعدية من البهجة.

لقد كان الرجل دائما مستقلا وفاعلا، حتى إن بعض زملائه الجمهوريين بمجلس الشيوخ كانوا يطلقون عليه الخائن، ولكنه أصبح الآن معرقلا متوقعا لأعمال البرلمان، بل إنه أصبح أحد أعضاء فريق «قل لا دائما»؛ إلى جانب المحافظين أنفسهم الذين كانوا يستخفون به.

ففي مساء يوم الثلاثاء، أعرب السيناتور ميتش ماكونيل، الذي وقف بشراسة ضد الحملة التي كان يتزعمها ماكين للإصلاح المالي، وصولا للمحكمة العليا، عن إعجابه بماكين بعدما قام الأخير باستعراض مؤثر حول قانون الرعاية الصحية.

وإذا ما نظرت إليه، لا تملك حقا إلا أن تتعجب: فهل يخون ماكين نفسه؟ من هو ماكين الحقيقي إذن؟

فحتى بعض مساعديه السابقين أصابهم عنف الرجل البالغ 73 عاما وشخصيته الساخرة الانتقامية بالانزعاج البالغ، وهي الصورة البعيدة عن تلك الصورة التي كانت تظهر بحيوية في الكتب التي كتبها أو أسهم في كتابتها مساعده السابق، مارك سولتر.

فعلى الرغم من أن ماكين كان يجد سعادته في السخرية من الرئيس جورج بوش بعدما خسر الانتخابات لصالحه في تلك المعركة الانتخابية القاسية في 2000، كانت الانتقادات التي وجهها للرئيس جورج بوش بشأن سياسة الاستقطاعات الضريبية الضخمة وغيرها تلاقي قبولا نظرا لكونها متماسكة وصادقة. (أو هكذا اعتقدنا).

أما الآن فقد أصبح الرجل يجد سعادته في مهاجمة شخص آخر، خاض الانتخابات ضده وخسر أمامه أيضا: وهو الرئيس الديمقراطي الجديد الذي كان يتمنى، وفقا لمواقف ماكين السابقة، أن يفيد من خبرات خصمه الجمهوري السابق في القضايا المتعلقة بالاقتصاد والأمن القومي والهجرة والتغير المناخي.

وفي موقفه من الرئيس أوباما، بدا وكأن الدافع وراء اعتراضاته هو الثأر وليس المبدأ. فقد انقلب غاضبا على حلفائه السابقين (وسائل الإعلام الإخبارية) خلال حملته الانتخابية، عندما أعربت عن انتقادها لأدائه الضعيف فيما يتعلق بالاقتصاد، بالإضافة إلى اختياره غير المسؤول لسارة بيلين.

وفي عام 2000، أفرط ماكين في الإشارة إلى توم بروكو، الذي كان يشير إليه بصحافي «التايمز»، أمام جمهور من المسؤولين بالإدارة الأميركية ناعتا إياه بأنه «واحد من التروتسكيين، أو اليساريين، الشيوعيين، أو يساري الإعلام الأميركي».

وفي 2008، اشتبك مع مساعديه السياسيين بشأن الصحافيين الذين كان يبدي قبل ذلك إعجابا بهم، مثل بروكو وتشارلي غيبسون، وأعلن عن مقاطعته لصحيفة «النيويورك تايمز» تماما. كما كان يتحدث عن خيانة وسائل الإعلام له بالنبرة الهازئة نفسها التي كان يخصصها قبل ذلك لأسرى «الفيت كونغ» (الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام). لقد اختفى ذلك البريق السابق وحلت محله ضغينة بغيضة.

وبعد سباق 2008 الانتخابي ضد أوباما – وهي الحملة التي اتخذ فيها ماكين على نحو ماكر جانب اليمين واصما أوباما بالاشتراكي والمتعاطف مع الإرهابيين - كان الرأسماليون ينتظرون بفارغ الصبر أن يروا أي ماكين من هؤلاء سوف يعود إلى الكونغرس.

فهل سيصبح ماكين الرجل القوي بمجلس الشيوخ مقدما «بلاده» في الفصل التاريخي الأخير من تاريخه المهني الطويل، أم أنه سوف يتحول إلى ذلك الحزبي الذي يمكن التنبؤ بمواقفه، والذي كان يعاف منه قبل ذلك؟

للأسف، وعلى الرغم من شبكة المشكلات المعقدة التي تواجهها أميركا في الوقت الراهن، فإن ماكين غير التقليدي، الشجاع، والجريء فشل في العودة مرة أخرى.

ربما يكون تحوله القوي تجاه اليمين ناجما عن التحدي الذي يواجهه في الحملة الانتخابية القادمة للفوز بمقعد مجلس الشيوخ للمرة الخامسة في مقابل جيه دي هيورث المحافظ والمناهض للهجرة ومقدم البرامج التلفزيونية والعضو السابق بالحزب الجمهوري (والذي كان يتخذ كذلك في بعض الأحيان موقفا متشددا من «النيويورك تايمز»). ولكنه قال بنفسه إن الأمر يتعلق بالاختلافات الفلسفية مع الرئيس أوباما.

وعلى خلاف صديقه لندسي غراهام الذي صوت لصالح سوتو مايور، يبدو أن الدافع الذي جعل ماكين يصوت ضد مرشحة الرئيس أوباما للمحكمة العليا كان هو الانتقام. فيقول ماكين باحتقار: «إن كون المرء لديه سيرة ذاتية ممتازة وقصة نجاح مميزة ليسا كافيين لكي يجعلا منه مؤهلا للحصول على منصب قاضي المحكمة العليا».

وقد صدم ماكين، الذي كان يقود الصراع في مجلس الشيوخ إلى جانب صديقه جو ليبرمان بشأن سن قانون يتعلق بالاحتباس الحراري، العديد من الناس، عندما انقلب ضد القضية وشن هجوما على تشريع المناخ الذي يسانده كل من ليبرمان وغراهام وجون كيري.

كما انحدر إلى مستوى الديماغوجية فيما يتعلق بقضية الرعاية الصحية، فعلى الرغم من أنه كان من أنصار إجراء تخفيضات على الرعاية الصحية لتقليل العجز في الميزانية على مدار السنوات، أصبح الآن يتخذ موقفا سلبيا متشددا من الرعاية الصحية. كما رفض أن يتزعم قضية الهجرة بمجلس الشيوخ مفضلا، على ما يبدو، اتخاذ موقف سلبي.

وخلال الشهر الجاري، قال سيناتور أريزونا مرتين في خطب له بالمجلس: «إن المعارك غير المشتركة هي معارك غير ممتعة». وهو ما يبدو وكأنه اعتراف غير مقصود بأنه كان يقاتل من أجل ذلك الغرض، وليس بغرض مساعدة البلاد لتجاوز بعض مشكلاتها البشعة التي خلفها الرجل الذي فشل ماكين في إيقافه عام 2000.

إذن، ربما لا تكون السيرة الذاتية الطيبة وقصة النجاح الملهمة عاملين كافيين لتأهيل أحدهم كي يصبح سياسيا بالمعنى الحقيقي للكلمة.

* خدمة «نيويورك تايمز»