ليس أحسن مما نحن فيه!

TT

كانت أفكاري صغيرة مثلي. تمنيت لو كنت لقيطا لا أب أعرفه ولا أم.. وإن أسعد الناس هو الذي لا يبكي على أم أو على أب..

وفي يوم قررت أن أزور أحد ملاجئ الأطفال. فوجدت الحزن واليأس والقرف يمشي على قدمين.. أطفال صغار نفوسهم مكسورة وعيونهم. ونظراتهم متسولة. وأيديهم تمسك بك تريدك أن تنتشلها. وكان أحد أقاربي قد تبنى طفلا. وتركه في أحد الملاجئ فمنعوه أن يقدم للطفل أي شيء يميزه عن بقية الأطفال. وإذا حاول فإن المدرسات يأكلن ما أتى به للطفل.

وتمنيت أن أكون شيوعيا: لا أملك أي شيء. ولا معي نقود ولا ضرورة لها. وأن آكل وأشرب وأتعلم وأكتب وبس.. ثم زرت روسيا أيام خروشوف: رأيت التعاسة والأسى والفقر والرعب وسوء الظن بكل شيء وكل أحد. ووجدتهم يحسدون المصريين على ما ينعمون به من طعام وشراب ودفء وحرية. طبعا أعظم أمانيهم أن يكونوا أميركان..

ثم زرت مستوطنة «خلدة» بالقرب من عكا التي يعيش فيها الروائي الكبير عاموس عوز. وأدهشني أنه يعيش وسط الجو الكئيب الشنيع. الناس متجهمون.. والوجوه شاحبة.. ويحاولون أن يكونوا عاديين فلا يستطيعون. واليهود بتكوينهم عصبيون وعندهم قلق.. ولا عندهم صبر ولا طول بال. ووجدتني في طابور وأمسك طبقا وشوكة وسكينا في يدي. فلا أحد يخدم أحدا. وكان لا بد أن أغسل الطبق وأضعه في مكانه..

والمستوطنات مستوحاة من المستوطنة التي أنشأها الكاتب الروسي العظيم تولستوي..

ثم زرت روسيا على أيام غورباتشوف الذي قضى على الشيوعية.. وذهبوا بنا إلى الكباريهات لنرى حرية الشباب وهم يرقصون.

وكانوا مثل الدببة التي ترقص على صفيح ساخن. تدريبات عسكرية.. لا رقة ولا فن ولا سعادة.. ولا شباب..

وسافرت إلى كوبا. كل شيء فيها جميل.. بشرط أن يكون من صنع الله. أما ما عدا ذلك فحزين.. امتلأت أدمغتهم بالماركسية وخلت بطونهم من الطعام..

فلم أجد أحسن مما نحن فيه مهما كانت «الآه» قصيرة أو طويلة بعرض وطول هذه الصفحة أو العمر كله!