2010.. عام من الفوضى

TT

حملت عناوين الصحف في نهاية العام شعورا مخيفا بأن العالم يعيد أحداثه مجددا: «مخططات إرهابية ضد الطائرات» و«ضربات ضد معسكرات التدريب التابعة لـ(القاعدة)» و«البرنامج النووي الإيراني يمضي قدما»، وذلك على الرغم من مرور قرابة عقد على الجهود الرامية للتصدي لهذه الأخطار.

جميعنا يعلم القول المأثور بأنك لا تنزل النهر مرتين، ذلك أن التاريخ يتحرك ويتبدل دوما. بيد أن المشكلات التي واجهتها الولايات المتحدة داخل العالم المسلم خلال عام 2009 تتسم بدرجة كبيرة من العمق والتعقيد، وأقل استجابة لمحاولات إيجاد حلول عما كانت تأمله إدارة أوباما. وبوسعنا أن نذكر أنفسنا بأن تكيف الإسلام مع العالم الحديث (ما يشكل منبع الكثير من أعمال العنف الجارية) جاء أقل دموية بكثير عما شهدته أوروبا في القرنين الـ19 والـ20. ومع ذلك، تبقى هذه الحقيقة عاجزة عن بث الطمأنينة في أنفس المعنيين بأمن المطارات.

من المثير قراءة تعليق السيناتور ديان فينستاين، رئيسة لجنة شؤون الاستخبارات بمجلس الشيوخ، حول كيف أن اتباع سياسات أكثر صرامة كان يمكن أن يعوق المتهم بمحاولة تفجير طائرة خلال عطلة عيد رأس السنة، عمر الفاروق عبد المطلب، حيث قالت: «ما أجمل حماية الناس. أفضّل المبالغة في رد الفعل عن التقصير في رد الفعل». والتساؤل الذي يفرض نفسه: ألا تبدو هذه عبارة كان يمكن أن يقولها ديك تشيني عام 2001؟

وفيما يلي بعض الألغاز التي سأحاول في العام الجديد سبر أغوارها:

- هل شرعنا في حرب جديدة ضد الإرهاب في اليمن؟ يبدو أن الإجابة نعم، لكن إدارة أوباما تتبع سياسة حكيمة على غرار سياسة واشنطن في أفغانستان عام 2001 تقوم على الاعتماد على قوى تعمل بالوكالة (تتمثل في هذه الحالة في الحكومة اليمنية) لمهاجمة «القاعدة»، وهي فكرة أفضل بكثير من إرسال قوات أميركية مقاتلة. والمؤكد أن الشراكة مع اليمن تتسم بحساسية بالغة، ما يفسر عدم حديث المسؤولين الأميركيين عنها سوى القليل. جدير بالذكر أن هناك برنامجا أميركيا متناميا يرمي لمساعدة القوات اليمنية التي تكافح الإرهاب. وعلى ما يبدو، جرى استخدام أسلحة أميركية موجهة بدقة في الهجوم الذي وقع في 17 ديسمبر (كانون الأول) ضد ثلاثة مخابئ لـ«القاعدة»، مما أسفر عن مقتل 34 عميلا لها. وهذا تحديدا ما كان ينبغي على واشنطن فعله ضد أسامة بن لادن في التسعينات، قبل وقوع هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وتعد تلك هي السياسة الصائبة في الوقت الحاضر. وبذلك يتضح أن اليمن تشهد حربا ثانية أخرى بالوكالة تقاتل فيها القوات السعودية واليمنية ضد متمردين حوثيين يحظون بدعم إيراني على امتداد الحدود الشمالية. ومرة أخرى، يتمثل النهج الأميركي المتعقل في مساعدة آخرين على خوض القتال.

- هل بمقدورنا كبح جماح البرنامج النووي الإيراني؟ من المفترض أن تنتهي دقات ساعة الجدول الزمني الذي حدده الرئيس أوباما للتعاون مع إيران عشية العام الجديد. إلا أن الإدارة حرصت على إتاحة بعض الوقت الإضافي من خلال ترك الباب مواربا أمام عقد محادثات قبل التصويت على فرض عقوبات جديدة ضد طهران تحت مظلة الأمم المتحدة، ربما في مارس (آذار) أو أبريل (نيسان). ولا يبدو أن الجهود الدبلوماسية تحمل كثيرا من الأمل في وقف طهران، لكن هذا القول ينسحب على جميع الخيارات الأخرى. وعليه، عمدت الإدارة إلى تشجيع جهود الوساطة التركية الرامية للتوصل إلى تسوية بشأن الخطة التي طرحت في اليوم الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الخاصة بتخصيب الوقود النووي الإيراني خارج البلاد، الأمر الذي بدا أن طهران وافقت عليه، ثم ما لبثت أن رفضته. كما وافق البيت الأبيض على اقتراح السيناتور جون كيري بأن يزور إيران، لكن كيري كان حكيما في تخليه عن هذه الفكرة في الوقت الراهن بسبب تورط النظام الإيراني في قتل متظاهرين.

التساؤل الذي يفرض نفسه الآن: هل تلوح في الأفق مؤشرات توحي بقرب تغيير النظام في إيران؟ لقد أحيت المظاهرات التي اندلعت مؤخرا هذا الأمل، لكن ما زال من السابق لأوانه الخوض في هذا الأمر. الملاحظ أن النظام الإيراني يعمد إلى توسيع نطاق شبكة القمع الخاصة به، في الوقت الذي تبقى فيه المعارضة - خاصة في ظل افتقارها إلى زعيم قوي - عاجزة عن تنظيم مظاهرات مستمرة ومنظمة.

- هل ستحرز الديمقراطية في العراق نجاحا عام 2010؟ أثناء زيارتي لمحافظة الأنبار منذ عدة أسابيع وبعدما أنصت إلى حديث حاكم الرمادي عن خططه التنموية الكبرى، ساورني التساؤل حول ما إذا كان من الممكن بالفعل أن تحظى قصة العراق القاسية بنهاية سعيدة بعد كل ما حدث. جدير بالذكر أن هذه المحافظة تحديدا هي التي صدر منها إعلان «القاعدة» عن إنشاء إمارة لها، منذ سنوات قليلة فقط. والآن، يوزع الحاكم تقريرا أوردته «فايننشيال تايمز» حول الفرص التجارية هناك.

عندما ألتقي عراقيين هذه الأيام، أرى بداخلهم جميعا الرغبة في الحديث عن القضايا السياسية: أي الأحزاب سيتقدم في الانتخابات البرلمانية القادمة في مارس (آذار)؟ هل بإمكان وزير الداخلية جواد البولاني أو نائب الرئيس عادل عبد المهدي الإطاحة برئيس الوزراء الحالي نوري المالكي؟ ومن المتعذر أن تعاين مثل هذا النقاش السياسي الحر في أي من أرجاء العالم العربي الأخرى. أرغب في تصديق أن هذا الأمر حقيقي، على الرغم من استمرار دوي تفجيرات القنابل الإرهابية في بغداد ومدن أخرى.

كل ما أعرفه عن 2010 أنه سيكون عاما آخر من النجاحات والإخفاقات في الشرق الأوسط. وسيشهد مزيدا من الحروب الأميركية والتفجيرات ضد مصالح أميركية. أما المؤشر الإيجابي المستمر على امتداد العقد الماضي فهو إخفاق الآيديولوجية المتطرفة الخاصة بـ«القاعدة». الجيد في الأمر أننا نواجه عدوا يقترف أخطاء أكثر مما نرتكب نحن.

* خدمة «واشنطن بوست».

خاص بـ«الشرق الأوسط».