كما تأكل تكون!

TT

يقول المؤرخ البريطاني الكبير توينبي: إنه في مثل هذه الأيام من مائة سنة رفضت سكرتيرة في إحدى الشركات الأميركية أن تعمل في يوم إجازتها الأسبوعية. انتهى الخبر. ولكن ما حدث بعد ذلك هو الثورة. فعندما رفضت السكرتيرة انهالت على المرأة العاملة عدة حقوق، حقها في أن تأخذ إجازة. حقها في أن ترفض أي أجر عن هذه الإجازة..

لا أحد يسألها: ماذا فعلت في إجازتك؟ ويمكنها أن تقول: ولا حاجة. أي أنه من حقها في يوم إجازتها أن تنام طول النهار. أن تمشي في الشارع. بل أن تذهب إلى مكتبها وتضع ساقا على ساق ولا تعمل. إذن العمل مقدس. والراحة من العمل كذلك. وهذا موقف مئات الملايين من العمال في العالم. وتأسست شركات لها هذا الاسم: «شركة اليوم السابع». أي التي تبيع لك المتعة في الإجازة.. السفر بعيدا أو قريبا. بحرا وجوا وأرضا..

وأصبح في إمكان أي عامل مهما كان متواضعا أن يرتب من بداية العام أين يمضي إجازته السنوية. ولا تنازل عن هذا الحق أيضا. لا هو يستطيع ولا صاحب العمل..

ولكن في نفس الوقت، أعلنت الدول الآسيوية - الصين واليابان - أن كلمة «إجازة» ليس لها مرادف في لغاتها. وأنهم لم يعرفوا كلمة إجازة، أو إجازة نهاية الأسبوع، إلا عندما جاء الأميركان إلى هذا الجانب من الدنيا. ومع ذلك فالشعوب الصينية ترفض الإجازة.. إن لها ساعات عمل يومية. وساعات راحة. أما الإجازة فهذا تدليل للطبقة العاملة وإفساد لها. فالشعوب الفقيرة يجب أن تعمل. فإذا انتعشت اقتصاديا وانحلت مشاكلها فلها أن تأخذ إجازة في بلادها أو خارجها. ثم فرضت هذه الشعوب على مواطنيها الإجازة في الخارج. ويجب أن تنفق وأن تدفع البقشيش كما يفعل الأوروبيون في بلادهم.. حتى لا تتوهم الدول الأخرى أن الشعوب الصينية حيوانات بلا إجازة ولا حق لها في ذلك. إذن لا بد من الإجازة. ولكن لا بد من زيادة ساعات العمل أكثر من ذلك.

مثلا: مفهوم السجين في الغرب هو وضع قيد على حرية حركة السجين. وهذا أقصى درجات الامتهان. ولكن الشعوب الشيوعية اتخذت قاعدة: «من يأكل يجب أن يعمل». فالسجين يجب أن يأكل إذن يجب أن يعمل داخل السجن أيضا. والنتيجة أن الشعوب الصينية هي التي تقود العالم كله إلى العمل ومزيد من العمل. وقفزت الصناعات في الصين وسنغافورة وهونغ كونغ وتايوان وفى اليابان أيضا إلى قمم التطور الاقتصادي والاجتماعي.. بل إن الصين هي الدولة الأولى في العالم.. والقاعدة: «من يعمل يطعم نفسه، ومن يتفوق في العمل يطعم الشعب كله!».