خاطبة أميركية في البلاد العربية!

TT

لم توفق الخاطبة الأميركية قناة «الحرة» في عقد قران العقل العربي بالثقافة الأميركية؛ فلقد أثبت العرب أن لهم فيما يعشقون مذاهب، وأنهم أحرار - مثلما هي «حرة» - في اختيار عرائس قناعاتهم، بل منهم من يصر على «عزوبية» عقله، ولو امتلأت ثقافات العالم بـ«العانسات». ولربما دفعت حالة عدم توفيق القناة في جمع الرؤوس في «بيت الطاعة» كاتبا وأكاديميا أميركيا مثل جيمس زغبي لأن يصف قناة «الحرة» بأنها فكرة سيئة ومشروع فاشل، ويستغرب استمرار مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين في دعم القناة، وتخصيص 112 مليون دولار لتمويلها خلال عام 2010، الأمر الذي رفع كلفة هذا المشروع - الذي أنشئ عام 2004 - إلى 650 مليون دولار. كما أنه - أي زغبي - شكك في زعم قناة «الحرة» أنها تحظى بـ9 في المائة من المشاهدين، وأشار إلى أن نسبة مشاهديها لا تتعدى الـ2 في المائة.

وقد جعلني كلام زغبي أستعيد مبالغات الدعاية التي استبقت بث القناة قبل أعوام، كالقول إنها ستكون «مثل عمود نور في سوق إعلامية تهيمن عليها الإثارة»، وأتذكر إعجابي بعبارة: «عمود نور»، خاصة أن الكثير من أعمدة النور في شارعنا العربي لا نور فيها! مع الاعتذار لعمنا الشاعر السعودي الكبير محمد العلي، الذي قال: «لا ماء في الماء».

لكن أمام المبشرات بـ«الحرة» قبل ظهورها، تفاءل بعض العرب في أن تبث هذه القناة بعض نسائم «الحرية»، وخشي بعضهم الآخر من «أمركة» العقل العربي، غير أن «الحرة» خيبت ظن الفريقين؛ فلم يغير العقل العربي عقاله بقبعة رعاة البقر، ولا هبت من شاشة القناة النسائم؛ وهكذا لم تلحق «الحرة» عنب «الجزيرة» ولا بلح «العربية».

ولا شك أن البداية المتواضعة قد شكلت مفاجأة للجميع، وصعبت - لاحقا - مسألة التطوير، رغم وجود عدد من المحاولات الجادة. فحينما اتجه المشاهدون أول الأمر - من باب حب الاستطلاع - لمشاهدة القناة التي وصفت بأنها «ستغير وجه الإعلام العربي في الشرق الأوسط، وتؤسس لمعايير ذهبية في العمل الإعلامي يفتقر إليها الآخرون»، لم يجدوا ما يغريهم على البقاء أمام شاشتها؛ فعادوا إلى حيث كانوا وهم يرددون مع المطرب الراحل فوزي محسون: «قديمك نديمك ولو الجديد أغناك».

واليوم، إذا نظرنا إلى واقع قناة «الحرة» نجد أنها لم تزل بعيدة عن الأهداف التي تناثرت قبل انطلاقها، ولم ترتق لأن تكون الذراع الإعلامية لأكبر قوة أحادية في العالم؛ فنسبة الـ2 في المائة من المشاهدين يمكن أن ترضي مستثمرا فردا أو جماعة في المجال الإعلامي، لكنها بكل تأكيد لا يمكن أن تقنع دولة براغماتية كبرى أنفقت أكثر من نصف مليار دولار دون أن تجني سوى قبض الريح!

[email protected]