وكذلك نجزي المحسنين

TT

لم يجنِ على الإسلام أكثر من بعض المسلمين أنفسهم في فهمهم القاصر أو المبالغ فيه لتفسير أو تطبيق بعض النصوص على هواهم أو ما يوافق غرائزهم، دون أي اكتراث لما يترتب على هذا التطبيق من أضرار مأساوية مروّعة.

وأكثر ما يحز في نفسي ويؤلمها هو ذلك الظلم الفادح الذي اقترفه وما زال يقترفه الرجل المسلم في حق المرأة - خصوصا زوجته - فالكثير، ولا أقول الأغلبية من الرجال، تجد الواحدَ منهم إذا تزوج امرأة يعتقد في قرارة نفسه أنه قد امتلكها وأصبحت عبدة له، يأمرها ويشتمها ويمد يده عليها ويقلّبها ذات الشمال وذات اليمين كيفما شاء، مثلما يقلّب «البطيخة»، وهي لا حول لها ولا طول، والويل لها كل الويل لو أنها «عصلجت».

بل إنهم يأخذون من الأحاديث الشريفة أخذا «انتقائيا» بما يوافق هواهم، فتجد البعض منهم يتلذذون ويتمسكون مثلا بالحديث القائل بما معناه: إن الزوج إذا أراد أن يضاجع زوجته ورفضت سوف تلعنها الملائكة حتى تصبح - ورغم أن هذا الحديث هو حديث «آحاد» فإنه أخذ صفة القطعيّة - دون أي اعتبار لمزاج الزوجة أو مراعاة لشعورها أو وضعها «الفسيولوجي»، وكذلك دون أي التفات لقوله تعالى: «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا».

ولكي تستمتعوا قليلا إليكم هذه الحادثة المؤكدة:

ففي 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، نشرت إحدى الصحف الخليجية خبرا كشف فيه أحد قضاة المحاكم عن قضية غريبة واجهها في أثناء عمله، وقال بما معناه: أتتني امرأة تبكي وتشتكي من زوجها الذي يمارس معها العنف الجسدي، فسألتها: هل هو ضربك؟ فقالت: لا، فتعجبت من جوابها وقلت لها: إذن كيف تقولين إنه يمارس معك العنف الجسدي؟! وبعد تردد قالت: إنه ما فتئ يعضني دائما. لم أصدقها لأول وهلة، ولكن زيادة مني في الحيطة أمرت إحدى النساء العاملات المفتشات في المحكمة أن تتأكد من ذلك، وأخذتها ودخلت بها غرفة التفتيش، وبعد ربع ساعة أتت المفتشة وأكدت لي أنها فعلا معضوضة في كل أطرافها الأربعة، وفي رقبتها وظهرها وبطنها، وباختصار في كل أنحاء جسدها كانت هناك آثار وندوب لأسنانه وأنيابه التي كان يغرسها وينهش بها جسد تلك المسكينة. واستدعيت الزوج وسألته عن أسباب فعلته الغريبة والهمجية تلك، فأجابني بثقة يحسد عليها قائلا: إن الشرع هو الذي أمره بذلك، وقرأ الآية الكريمة: «وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ»، ظنا منه أن كلمة (عظوهن) تعني (العض) وليس العظة والنصح (انتهى كلام القاضي).

وهذا التفسير لهذه الآية من قبل الخليجي ذكّرني بتفسير أخ سوداني للآية التي تقول: «وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ»، فهو اعتقد أن الله سوف يجزي المحسنين (كدالك) يوم القيامة، أي مجموعة من سيارات (الكاديلاك)! لأن الإخوة من أهل السودان ينطقون حرف (الذال) بلهجتهم (دالا) دون نقطة، وكان أمل ذلك السوداني المحسن الصالح أن يمتلك في الجنة سيارة كاديلاك «يتصرمح» بها، وهي السيارة التي حرم منها في الدنيا الفانية. وما ذلك على الله بعزيز.

[email protected]