فعلا أمر محزن

TT

أخبار العمليات الانتحارية، والقتل والدمار في باكستان وأفغانستان، ومثلها في العراق، باتت أمراً مألوفاً لا نقف أمامه كثيراً، بل وكأنها لا تعنينا، حيث نرى المعارك الجانبية في إعلامنا، من مآذن سويسرا، وغيرها من القضايا، بينما قتل البشر وترويعهم، بعمليات انتحارية في تلك المناطق لا يحرك لدينا ساكناً، للأسف.

آخر تلك الحوادث الانتحارية ما وقع في مباراة كرة الطائرة في قرية باكستانية وراح ضحيته قرابة 88 قتيلا في عملية بشعة تبين بكل بساطة مدى وحشية، وتطرف من ارتكبها، وما زلنا نقول ونكرر إنه ليس بإمكاننا أن نجلس متفرجين على تلك الأحداث، أو قل النار، معتقدين أنها لن تصل إلى أطراف الثوب الإسلامي، والعربي؛ فمن يقومون بتلك العمليات هم تنظيم «القاعدة» ومن على شاكلتهم، وهذا أمر يهمنا تماماً.

فعندما فشلت الجريمة الإرهابية التي أراد القيام بها الشاب النيجيري في طائرة «الدلتا» الأميركية، فإنها تثبت أن الإرهاب حلقاته متصلة الواحدة بالأخرى، فالشاب نيجيري، درس في لندن، وتطرف هناك، وتدرب في اليمن، وانطلق من أمستردام لارتكاب جريمة في أميركا. وقبل أمس سمعنا المتطرفين في الصومال يعلنون أنهم بصدد إرسال مقاتلين لليمن من أجل مناصرة «القاعدة»، وهذا ليس كل شيء، فمن خطط اغتيال مساعد وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف جاء من اليمن، وإن كان سعودياً، أي من خارج الحدود. كما أننا اكتشفنا أن من خطف البريطانيين في العراق نقلهم إلى إيران. وما لا يستوعبه البعض هو أن الإرهابيين استوعبوا جيداً أهمية التحرك الخارجي، وربط المصالح، بل وأهمية المبادرة أكثر من الفكر التقليدي الذي يحاربهم.

وليس المطلوب هنا التدخل بالأموال أو الرجال، بل كل المطلوب، وبشكل عاجل وملح، هو وقفة صارمة ضد العمليات الانتحارية، تبدأ بتأصيل شرعي، وهو أمر ليس بالصعب، من أجل تحريمها شرعاً، وأعلم أن هناك فتاوى تحرمها، ولكن للأسف يظل هذا الأمر غير مطروح بقوة، بل أحياناً تضيع فتاوى تحريم العمليات الانتحارية في ظل تفسيرات سياسية، أو إتباعها بكلمة (ولكن)، وعدا عن كل ذلك فإن نشر تلك الفتاوى، وترسيخها لا يحظى بتغطية إعلامية تصلها إلى شرائح أعرض، فما نحتاجه هو تأصيلها، وشرحها، وترسيخ ذلك لدى النشء في العالم العربي والإسلامي، وخصوصاً المجتمعات التي يضربها الجهل والفقر.

فعندما نرى الحملات الإعلامية التي تهب من أجل قضايا، لا نقول إنها لا تستحق، لكنها لا ترقى إلى مستوى قتل الآمنين وترويعهم، فإن المرء يصاب بالذهول، مثل قضية المآذن في سويسرا، أو النقاب في فرنسا، وغيرها، حيث يهب الإعلام العربي، والإسلامي، وتتحول إلى قضية رأي عام، وتصدر البيانات، والاستنكارات ويشحن الرأي العام العربي والإسلامي، بينما عندما يقتل 88 شخصاً بريئاً في دولة مسلمة مثل باكستان، وعلى يد من يدعون الإسلام، والأمر نفسه في العراق، فإننا نجد صمتاً مطبقاً، يصيب المتابع بالحيرة، والحزن، بل ويجعلنا نسأل أنفسنا سؤالا بسيطا: من أي منظومة أخلاقية ننطلق؟ وكيف نصف الآخرين بالازدواجية، ونحن نعاني منها؟

[email protected]