لن يكون سيئا

TT

كما تعلمنا، فإن كل الأمور نسبية، إحدى الصحف اختارت التذكير بأن سوق الأسهم العالمية حققت 60% ارتفاعا في العام المنصرم، وصحيفة أخرى ندبت السنة بأنها أكبر كارثة في تاريخ سوق الأسهم، وكلا العنوانين صحيح.

مؤشرات كثيرة تقول إننا ندخل عاما أفضل، مقارنة بالأعوام الماضية، نراها في العراق ولبنان وفلسطين، وسوق البترول بالنسبة للدول المنتجة، اللغز الوحيد المقلق هو إيران، على جبهتين، الداخلية حيث الصراع بين الحكومة والمعارضة، والخارجية حيث إنه قد حان موعد المواجهة الدولية ضد نظام إيران في الملف النووي، إما بالمقاطعة وإما بالمواجهة العسكرية، حتى اليمن، على الرغم من خطورة أوضاعه واحتمال أن تستمر معاركه، فإنها ربما لن تشتعل أكثر وإلى مسافات أبعد، وما لم تحصل المعارضة المسلحة على وقود داخلي - أعني تأييدا شعبيا يمنيا - فإن اعتمادها على الإيرانيين والمسلحين الصوماليين سيعطيها القليل من الصمود، كما رأينا في الشهر الأخير حيث خسرت الكثير.

قراءتي للعام الجديد أن أهم ما قد يبشر به في عامنا الجديد هو مشروع السلام الفلسطيني، وربما العربي - الإسرائيلي بشكل عام، لقد ضيع الجميع الكثير من الوقت الثمين في الأشهر الماضية في الخلاف على التفاصيل، وعلى الرغم من الإحباط، فإن الجميع سيعود للتفاوض، ولو أن ياسر عرفات، الرئيس الفلسطيني الراحل، أنصت إلى الرافضين ولم يذهب إلى أوسلو، لبقي أبو مازن في تونس إلى اليوم، وإسماعيل هنية في دمشق، وصرنا نتحدث عن سلام تدريجي سيستغرق 20 عاما أخرى حتى يصل إلى ما وصلنا إليه اليوم، وبالتالي فإن كل الإخفاقات الماضية هي ثمن طبيعي للنزاعات السياسية المتعددة، والذي يجعلنا نتفاءل بعامنا الجديد أن الكثير من الأخطاء ارتكب وحان الوقت لخطوات صحيحة، الرئيس الأميركي باراك أوباما، اللاعب الرئيسي في قضية الشرق الأوسط، يعرف جيدا أنه تسلم جائزة نوبل للسلام قبل موعدها، وعليه أن يدفع الثمن ولو متأخرا.

كما أن الفلسطينيين يدركون أنه يجدر بهم اللحاق بما تبقى من الوقت قبل أن تدق ساعة الانتخابات الأميركية في مجلس الكونغرس.

ماذا عن الإرهاب، القضية الأكثر درامية وعالمية؟ أظن أنه لن يكون حظ الإرهابيين أفضل من حظهم في السنوات القليلة الماضية، حيث تحولت «القاعدة» إلى مجرد أخبار متفرقة ومعارك يائسة، وشتان بين اليوم والأمس القريب، فالتنظيم قد احتفظ بحضوره الدعائي، لأن محاولة تدمير طائرة واحدة، كما حصل في الأسبوع الماضي من قبل شاب نيجيري واحد، كانت كافية لأن تصبح «القاعدة» على كل لسان، ما عدا ذلك فإننا لا نرى «القاعدة» تهديدا حقيقيا، حتى بعد أن فتحت جبهة جديدة في اليمن والصومال، ستبقى قادرة على ارتكاب أعمال تحظى باهتمام العالم وقادرة على ترويعه، لكنها لم تعد تخيف الأنظمة أو تشعل حروبا كبيرة كما فعلت في زمن الزرقاوي في العراق.

لا أستطيع أن أتجاهل الفئة التي لا تحتفل بشيء ولا تريد غيرها أن يحتفل أيضا، المتطرفون الذين صدمتهم سلسلة هزائم العام المنصرم، سيستمرون في عدائهم للتحديث وسيواصلون محاربته، سيقفون ضد أي انفتاح، وأي حقوق، لكنهم في حقيقة الأمر يحاربون الطوفان الذي هو أقوى منهم، وليس مجرد بضعة دعاة تحديثيين.

هذا هو عامنا الجديد، لا يبدو سيئا، ربما بسبب ما اعتدنا عليه على مر الأيام.

[email protected]