الذي رفض العذاب الأبدي!

TT

في مثل هذه الأيام، من خمسين عاما، مات في حادث سيارة فيلسوف كبير فرنسي وجودي هو ألبير كامي، والناشر لكتبه. وألبير كامي ولد في الجزائر من أب فرنسي وأم إسبانية. وعاش فقيرا؛ لا الفلوس ولا الصحة. حتى إنهم رفضوه جنديا في الجيش، فتطوع في مقاومة الاحتلال الألماني لبلاده..

له قصص ومسرحيات وروايات. حصل على جائزة نوبل عن رواية «الغريب». ليست الرواية وحدها، وإنما المعنى: الغريب، والغرابة، والاغتراب، والاستغراب، والعبث في هذه الحياة.. أي غياب المنطق والعقل، وحتى الشمس مصدر النور والحياة لنا؛ فيها بقع سوداء.

ثم إنها ليست فيها حياة مع أنها مصدر الحياة.. ورغم وجود ملايين ملايين ملايين الشموس في الكون، فلا تعرف - عن يقين - إلا واحدة، هي التي ندور حولها ومعنا بقية الكواكب في منظومة واحدة. وفى الكون الذي نعرفه ملايين ملايين المنظومات الشمسية..

هذا الفيلسوف الفرنسي بديع العبارة، مشرق المعاني، صديقك وصديقي، هو الذي أبدع لنا الأسطورة الإغريقية القديمة «أسطورة سيزيف». والأسطورة تقول: إن آلهة الإغريق حكموا على شاب بالعذاب الأبدي؛ أن يدفع حجرا إلى قمة الجبل، فيسبقه الحجر إلى السفح، ويرفعه، ويعود الحجر.. وإلى الأبد.. فالفيلسوف كامي هو الذي رأى في هذه الأسطورة عظمة الإنسان الذي يرى سخافة الآلهة، وتصميم الإنسان على أن يمضي في عقابه لنفسه دون ألم، ودون ملل، ودون شكوى.. كأنه أراد أن يغيظ الآلهة، وأن يجعل من قرار سخيف عملا اختياريا.. وأن يرفض العذاب الذي فرضوه، وأن يظل مرفوع الهامة، كأنه يتنزه، بل ضاعف سخط الآلهة. ويقال إنهم رأوا عظمة الإنسان الذي رفض الهزيمة ورفض الإذلال..

وكأن الفيلسوف كامي لم يمت في حادث، وإنما انتحر، كأنه رفض الحياة التي وهبتها الآلهة للبشر عقابا أبديا لهم!