مطالب الدول الخائبة!

TT

للأسف، إن كل ما يقيض الدولة العربية، وحتى مفهوم الدولة، يجد له مناصرين بيننا، وإلا كيف نقرأ الحملة المشتدة على مصر بحجة أنفاق غزة، أو بناء السور الأمني. فبدلا من أن يسعى البعض، دولا أو مثقفين، من أجل إنهاء الانقسام الفلسطيني، ورفع المعاناة عن أهل غزة بشكل جاد، نجد أنهم يطالبون فقط بإبقاء الأنفاق، وكأن الأنفاق هي الحل، والحقيقة أن هذه الأنفاق تشكل حلا بالنسبة لحماس، أما بالنسبة لأهل غزة فهي المعاناة بعينها، فلو حرصت حماس على إنهاء الانقسام الفلسطيني، وشرعت في تأسيس مكونات الدولة الفلسطينية لكان الوضع في غزة أفضل كثيرا، بل قل بنفس مستوى الضفة الغربية.

لكن، وبدلا من الوصول إلى حلول تعود بالفائدة لأهل غزة، وبالتالي للقضية، والدولة الفلسطينية الحلم، نجد أن سعي البعض في عالمنا العربي منصبّ على فتح الأنفاق، وهذا المطلب لا يعني إلا أن البعض يريد أن يوجد لحماس مخرجاً من المآزق التي هي فيها.

وإلا أين هؤلاء العرب عن حماس التي تهادن إسرائيل الآن؟ فهل يعقل أن يقبل هؤلاء العرب بأن تهادن حماس إسرائيل، ولا تصالح فتح، وتنهي الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني؟ للأسف إن بعض العرب، أصحاب المطالب الخائبة، يناكفون اليوم بحجة الأنفاق أو السور، إما خدمة لأهداف خارج مصلحة العرب، أو أنهم يريدون مناكفة مصر وحسب، رغم كل ما يترتب على ذلك.

وخير مثال هنا على أن بيننا عربا أصحاب مطالب خائبة؛ الميزانية التي وضعتها حماس لغزة، فهي من ناحية دليل على ترسيخ الانقسام الفلسطيني، كما أنها دليل على أن هناك من يسعى لتكريس هذا الانقسام؛ فالميزانية التي أقرتها حماس، وقدر لنفقاتها 540 مليون دولار، تقول حماس إن 60 مليونا من مواردها تأتي من الضرائب، وأن الباقي سيكون بمثابة منح ومساعدات خارجية، والسؤال البسيط هو: من هي تلك الدول التي ستدفع مثل هذه المبالغ لحماس في ظل الانقسام الفلسطيني الذي يعني بكل بساطة إضعاف إمكانية تحقيق الدولة الفلسطينية أو تعزيز فرص المفاوض الفلسطيني؟

صحيح أن هناك معاناة حقيقية لدى أهل غزة، لكن دعم حماس ماليا لن يفعل شيئا أكثر من زيادة معاناة القضية الفلسطينية برمتها، وكلنا يعرف أنه مهما دعمت حركة الإخوان المسلمين، مثلا، حماس مالياً، مثلما تدعمهم إعلامياً بقضية الأنفاق، فإنه ليس بمقدورها دعم حماس بمبالغ تصل إلى 480 مليون دولار. ولذا فإن الدول التي تدعم حماس هي التي تريد إطالة أمد معاناة أهل غزة، مثلما تريد إطالة أمد الانشقاق الفلسطيني - الفلسطيني، وتسخير غزة ومعاناتها لتصبح ورقة بيد الإيرانيين، وبالتالي فإن الحديث عن أنفاق غزة أو السور ليس حزناً على غزة بمقدار ما أنه رغبة حقيقية من قبل البعض لفتح جبهة على مصر تضمن لحماس عمقاً مع حركتها الأم (الإخوان) واختراقاً لأمن مصر، أول فوائده - بالنسبة لحماس ومن هم خلفها - إطالة أمد الانقسام الفلسطيني، وبالتالي جر مصر كلها إلى حروب ستقلب المنطقة رأساً على عقب.

[email protected]