الحيف الأميركي مصدر الإرهاب

TT

محاولة التفجير الفاشلة والآثمة للطائرة الأميركية المتجهة إلى ديترويت الأميركية، والتي حاول تنفيذها عمر فاروق الشاب النيجيري الذي جندته القاعدة أو من يدور في فلكها ويتقاطع مع آيديولوجيتها، دليل آخر على أن حرب أميركا مع التطرف والإرهاب تسير في الاتجاه الغلط.

آن الأوان أن تدرك الحكومة الأميركية والعالم الغربي معها أن سياستها الظالمة في العالم الإسلامي في أفغانستان والعراق والصومال وفضائح أبو غريب ومصائب غوانتنامو وبخاصة قضيتهم المحورية الكبرى فلسطين تمثل البيئة الخصبة التي تفرخ التطرف وتغذي الإرهاب، أميركا لم تقف مع إسرائيل في احتلالها للأراضي العربية فقط، ولم تعترف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل ضاربة بالقرارات الدولية عرض الحائط فحسب، بل حتى «تجميد الاستيطان» لم تستطع أميركا فعل شيء ضده على الرغم من التأنيب العلني الذي ظن بسببه أنه سيروع إسرائيل.

حسن، ستقول أميركا بلسان الحال إن هذا منطق القوة ونحن أمام عالم عربي ضعيف تائه، وعالم إسلامي متهالك متنازع، هذا صحيح، لكن لم تحسب أميركا حسابا للغضب والحنق والقهر الذي تشعر به شعوب العالم الإسلامي والعربي، وهذه الشعوب، وإن سلّمت أغلبيتها الساحقة أمرها لله ثم لحكوماتها لتتصرف، فإن فئة أخرى قليلة العدد كثيرة الشوشرة هي بالضبط التي تقتات على الاستفزاز الأميركي والحيف الغربي، هذه المجموعات قررت أن تأخذ الثأر بيدها «بيدي لا بيد عمرو» غير عابئة بشرعية الحكومات ولا عظات العلماء، ولا نصح الناصحين.

هذه الفئة لم تستفزها أميركا لأنها نصرانية وإلا لكان تفجير سفارة بولندية أو اغتيال شخصيات دينية تشيكية أو اختطاف طائرة بوليفية أسهل عليها من شربة ماء، ولم توترها أميركا لأنها قوة عظمى، قولوا لي بربكم متى تعرضت الصين لحادثة إرهابية واحدة؟ كما لم «ينجنّ جنون» الجماعات «الإرهابية» لأن أميركا تقدمت في مجال التقنية، فالمصالح اليابانية مثلا أسهل لهجماتهم الإرهابية فلا حراسات أمنية ولا إجراءات ولا متاريس.

لِم لَم تتساءل أميركا: ما الذي جعل شابا قادما من أدغال إفريقيا يستجيب طائعا مختارا لغسل المخ القاعدي لا ليقاتل في حرب عصابات ضد أميركا، إذ إن إمكانية النجاة في حروب العصابات أكبر، وإنما ركب الطائرة ليموت فداء لفكرته وهدفه؟ عيب أن تتصور أميركا أنها بتجييشها للجيوش واستمرار الاحتلالات ستتمكن من هزيمة الإرهاب والتشدد، ونستغرب أكثر كيف لم تستفد من درسها القاسي في أفغانستان، والآخر في الصومال وحتى العراق؟

في التحقيق الذي أجرته التحقيقات الفيدرالية الأميركي مع الشاب النيجيري قال: «هناك أمثالي كثر في كل مكان»، وهنا تكمن ورطة أميركا مع الإرهاب، حيث لا تعرف من، ولا كيف، ولا أين، ولا متى... أشبه بمن يمشي في غابة سوداء بين صخور سوداء في ظلمة سوداء فيها سباع سوداء إن قتل واحدا أو اثنين فهناك عشرات من السباع المتربصة، وإن أباد السباع برزت الهوام، وإن أباد الهوام خرجت الحشرات والقوارص، حرب عدمية لن تفلت أميركا من الهزيمة في معركتها معهم حتى ترسي قواعد العدل في تعاملها مع القضايا الإسلامية والعربية وبخاصة قضية فلسطين، وهذا ليس كلام العرب والمسلمين بل تدعو إليه كبريات الصحف الغربية الرصينة: تقول «فاينانشيال تايمز» في إحدى افتتاحياتها: «وحتى يمكن هزيمة هذه الآيديولوجيا الجهادية، لن يجدي شن حرب على الإرهاب، والتي هي في الواقع تمجد المواجهة، وإنما يجب، إلى جانب المعالجة الأمنية، تفهُّم المظالم».

مجانيننا الذين دمروا أبراج مانهاتن وانتحروا في أنفاق لندن الأرضية وحاولوا مؤخرا تفجير الطائرة الأميركية لن يكفّوا جنونهم الآيديولوجي حتى تكف أميركا عن تهورها السياسي، الموقف الأميركي حيال قضية فلسطين بالذات هو الشريان المغذي للإرهاب، فإن قطعت هذا الشريان مات الإرهاب الموجه ضدها.