حتى لو وضعوا (الكلبشات) في يدي

TT

عالم (الموضة) - والنسائية تحديدا - هو عالم لا ساحل له، بل إنه ومن دون مبالغة ليس له أول ولا آخر - إلا إذا أراد الله سبحانه أن يقبض السماوات والأرض.

وقد قدر لي يوما في بداية دراستي الفنية أن أطلع على تاريخ الأزياء كمادة مقررة، وأدليت بدلوي في شيء من التصميمات الفاشلة، إلى درجة أن البروفسور قال لي: «أنت تصلح أن تكون مصمما لملابس (الإسكيمو)» ولا أدري إلى الآن هل كان يمدحني أم يسخر مني!

ولا شك أن الموضة تحولت إلى حملة لا تهدأ لمحاصرة كل أنثى من المهد إلى اللحد.

ومن يقرأ من النساء كلامي أو رأيي هذا فمن المشكوك به أن يكذبنني، اللهم إلا من بعض النساء الخارجات عن سليقة النساء التي جبلن عليها منذ أن تزينت المرأة بالجلد ووضعته على أكتافها في العصر الحجري، إلى عصرنا الحاضر الذي أصبح فيه الإنسان لا يفرق بين رأس المرأة وقدميها من الأهمية.

فالموضة لم تترك الطفلة ولا المراهقة ولا السيدة ولا العجوز ولا حتى الحبلى المنتفخة البطن، فلكل أنثى لبوسها، صيفا خريفا شتاء ربيعا، وأينما رحلت وكانت لها ما تريد سواء على شواطئ البحار وهي تمارس السباحة، أو على قمم الجبال وهي تتزلج.

ونقطة ضعف المرأة وقوتها كذلك أنها مجبولة على (التزين) بالفطرة، ومحبة للجمال بطبيعتها رغم تعدد الأذواق واختلاف القيم الجمالية من شعب إلى شعب ومن عصر إلى عصر.

ونستطيع أن نقول إن (تسونامي) الموضة اجتاح العالم بعنف منذ بدايات القرن العشرين، وتحولت العملية برمتها إلى أكبر عملية (احتيال) في التاريخ، ولكنه احتيال لا يعاقب عليه القانون، بل إنه احتيال مرحب به من مئات ولا أقول من آلاف الملايين من النساء.

وكانوا قبل عدة عقود يشبهون الموضة بالهرم، وفرنسا هي الحجر الذي يقف على القمة، أما اليوم فقد تعددت القمم من إيطاليا إلى إنجلترا إلى أميركا إلى اليابان إلى البرازيل (والحبل على الجرار).

إن هذه الصناعة الهفهافة الجميلة أصبحت تنافس صناعة الحديد والصلب والصناعات الثقيلة من ناحية المداخيل، وأصبح لها أباطرتها وأسواقها وحركتها التي لا تهدأ لا ليلا ولا نهارا، وعلى مدار الساعة.

وتعرض مجموعات الأزياء مرتين كل عام: فتعرض مجموعة الربيع والصيف في يناير، ومجموعة الخريف والشتاء في يوليو، وقد تعود مثلا موضة 2010، إلى اقتباس خطوطها من موضة سنة 1920، إنها عملية (كر وفر)، والمشكلة أنه ما إن يكاد الشيء يظهر حتى يكون في طريقه للزوال.

وعادة ما يبدأ المصمم أفكاره وخطوطه على الورق، ثم اختياره للأقمشة، ثم يأتي بالعارضة الموديل التي لا حول لها ولا طول سوى الوقوف صابرة بلا حراك لعدة ساعات، بينما يقوم المصمم بانتزاع كم من هنا، أو إعادة تصميم العنق، أو إضافة حزام أو إكسسوار أو التخلص من البطانة، وهكذا إلى أن يستقر على شكل.

وأكثر ما نكد على بيوت الأزياء هو حمى التقليد القادمة أولا من الشرق ثم اجتاحت العالم كله، والعزف كله على أوتار عواطف المرأة. إنني شخصيا لا أتبع الموضة، ولكنني أتبع المرأة، عن سابق عمد وإصرار. وإذا اعتبروا ذلك جريمة، فإنني لا أمانع أن يضعوا (الكلبشات) في يدي - ولا شك أنني سوف أحطمها عاجلا أو آجلا.

[email protected]