أمهات للتاريخ

TT

بدت الأشياء عادية جدا في المنزل الذي أقام فيه نابوليون في منفاه، في جزيرة إلبا. ثياب وسترات مقصبة وسيوف ودفاتر. لكن السرير بدا عريضا جدا لرجل في قامته، حتى لو كان إمبراطورا. الدليل يفسر: «وهذا هو السرير الذي أصرت أمه على أن ترسله من باريس إلى هنا لكي تتأكد من أنه ينام مرتاحا». وأما هو، الإمبراطور، فقال القول المأثور «المرأة التي تهز السرير بيمينها، تهز العالم بيسارها».

قرأت عن أم أخرى لمجموعة من كبار العصر، روز كينيدي، كانت هي سر تربية الأبناء. أولا، لم تتركهم يشعرون، لحظة وحدة، أنهم أهم عندها من زوجها. ذات يوم قالت لحفيدتها كارولين إنها لم تدخل في خصام مع زوجها أي مرة «كنت أقول له، طبعا يا جو، وأمضي في شأني».

حرصت أن تظهر أمام أبنائها التسعة بمظهر الإنسان الذي يرفض أي خطأ. كان عليهم أن يستيقظوا في موعد محدد كل يوم، وأن يتناولوا وجباتهم جميعا في الوقت المحدد، وأن يذهبوا إلى الأسرة في الوقت المحدد: «الانضباط مديح للذكاء وتأنيب للغباء». كانوا يرتدون في السباحة لونا واحدا «لكي لا يضيعوا»، وكانت الحلوى مقننة، حرصا على أسنان جميلة.

العشاء، دائما، الساعة 7:30. ويجب الحضور بأفضل مظهر «احتراما للنعمة». كانت تتقدم الجميع في الدخول إلى غرفة الطعام وفي الخروج منها. وعندما أصبح جون رئيسا قال لها مازحا إن البروتوكول يفرض أن يكون هو أول من يخرج من الغرفة وأول من يدخل إليها. هاجسها الوحيد كان العلم والمعرفة. كانت إذا قرأت شيئا لافتا في الصحف اقتطعته وألصقته على البراد. وكان على الجميع مناقشته والتعليق عليه حول المائدة. وعندما بلغها أن روبرت لم ينل علامات جيدة في الثانوية كتبت إليه: «تذكر جيدا أن مسؤوليتي في العائلة هي تعليم أبنائي، وأرجو أن تعرف أنها مسؤوليتك كذلك. أعرف أنك لن تخيبني». وعندما كبر إدوارد وأصبح عضوا في مجلس الشيوخ، كانت تؤنبه دائما على ارتكاب الأخطاء النحوية: «آمل أن تنتبه دائما إلى استخدام حروف العلة. ولا تقل الرجل الذي كتبت له بل الرجل الذي كتبت إليه. وإذا أصغيت إلى خطب شقيقك جون فسوف تلاحظ أنه يستخدم الكلمات بدقة. هناك دائما فرق بين اللاتينية والإنجليزية في قواعد الصرف».

عام 1972 عندما كان إدوارد في الأربعين، قالت له بغضب «لاحظت أنك تستخدم كلمة (حمار) كثيرا في كلامك. جرب أن تكتبها أمامك، وسوف ترى أنها لا تبدو جميلة على الورق. إنها كذلك شفهيا».