العالم ينسى و«القاعدة» تتذكر

TT

إبان الاحتلال السوفياتي لأفغانستان طفَت هذه الدولة الفقيرة على مجريات الأحداث، وانهالت على أهلها الأموال بلا حساب، ولم يكن ذلك حبا في الأفغان ولكن كراهية للسوفيات، وأفرزت تلك الأموال زعامات، وأمراء حرب، ومحترفي قتال، وبخروج السوفيات من أفغانستان خرجت أفغانستان ذاتها من ذاكرة العالم، وتركت نهبا للفقر، والتوحش، وصراعات أمراء الحرب، وفي ظل هذه الأجواء المنفلتة كان لا بد أن ينمو الإرهاب، ويستوطن، ويترعرع، ولم يفق الغرب من غفوته وتجاهله ولا مبالاته لما يحدث في أفغانستان إلا على وقع كارثة 11 سبتمبر (أيلول) 2001، ليجد العالم نفسه ينفق في مواجهة الإرهاب الآتي من أفغانســــــتان ألف ضــــــعفِ ما كان يمكن أن يصـــــــــرفه في مســــــــاعدة الأفغـــــــان بعــــــد رحيل السوفيات لإخراجهم من فوضـــــى ما بعد الحرب عــــــبر دعم حكم مدني يوفــــــر الحيــــــاة الإنسـانية الكريمة لكل الأفغان.

ونفس الخطأ ارتكبه العالم في الصومال حينما وقف سنوات طويلة «يتفرج» على ما يجري في ذلك البلد الفقير، الجائع، التعيس، وكأن الأمر لا يعني العالم من قريب أو بعيد، وكان يمكن أن تحل أزمة هذا البلد في بداياتها، وقبل أن تكبر كرة النار بأقل المال والجهد، لكن ذلك الإهمال المتعمد قاد الصومال إلى أن يتحول إلى مشتل من أهم مشاتل الإرهاب ليستفيق العالم بعد فوات الأوان على اختطافات السفن، وقرصنة البحار، وغدا الحل باهظ التكلفة، مرتفع الأثمان، وكان يمكن لأقل القليل في وقت سابق أن ينقذ الصومال والعالم من هذا المصير.

وما حدث في أفغانستان والصومال يمكن أن يحدث في أي مكان من العالم، والبؤر المهيأة لمثل هذا المصير توشك أن تعلن عن نفسها، إذا ما واصل العالم تجاهلها، وغض الطرف عن معاناتها، فالمكان الذي سيتجاهله العالم ستتذكره «القاعدة»، وفق قانون ملء الفراغات.

العالم اليوم - رغم أنفه - يعيش في بيت واحد، ولا يمكن لساكن أن يتجاهل ما يحدث في أي جزء من هذا البيت، وإلا فإن البيت سوف يسقط فوق رؤوس كل سكانه، فالمسافة بين دول العالم غدت وهما، حتى ليمكن لإرهابي نيجيري أن يعبر بمتفجراته من جبال اليمن إلى أوربا، ومنها إلى الولايات المتحدة الأميركية، فلم يعد بمقدور أحد أن يعيش في معزل عن الآخرين، وبالتالي لا ينبغي أن تُترك بعض الدول لمصائرها منفردة في معاركها مع الإرهاب، فبوصلة الإرهاب مجنونة، والكل بالنسبة إليها خصوم.

[email protected]