محاولة تفجير فاشلة.. فرصة لنيجيريا

TT

«ما محتويات حقائبك؟» هكذا صاح ضابط الجمارك في مطار «مورتالا محمد» الدولي. وبدا كشخص بشوش يرتدي زيا مدنيا. كان ذلك في 26 ديسمبر (كانون الأول) عام 1999. وكنت في مرحلة فحص الحقائب في لاغوس، نيجيريا، قبل استقلال الطائرة المتجهة إلى ديترويت من أمستردام.

وضعت علامة إلى جوار الحاجيات التي معي: ملابس وكتب وصابون وبعض النقوش الخشبية والأغذية المجففة. وكان على القائمة أيضا سيف يعتليه الصدأ كنت قد اشتريته كهدية تذكارية من أحد الباعة المتجولين في لاغوس.

سألت الضابط: «هل تود رؤيته؟».

فأجاب في خوف مصطنع: «أوه، لا أريد، فأنا لا أحب الأسلحة. لكن أين هدية عيد الميلاد الخاصة بي؟».

ومنذ محاولة تفجير الطائرة المتجهة إلى ديترويت يوم عيد الميلاد، تساءل العديد من الناس كيف استطاع عمر الفاروق عبد المطلب، الطالب النيجيري الذي حذر والده السلطات الأميركية من أفكاره المتطرفة، أن يجتاز نقاط التفتيش الأمنية في المطار وفي حوزته مواد عالية التفجير، أو حتى أن يستقل إحدى الطائرات في لاغوس. ربما ننتظر فترة من الوقت حتى يقدم المحققون الأميركيون والنيجيريون ردودا ملموسة على هذه الأخطاء الأمنية الظاهرة. بيد أن بعض الأشياء واضحة بالفعل.

وتدل المشكلات القائمة في أكبر مطار في نيجيريا على مباعث قلق منتشرة في هذه الدولة التي تقع غربي أفريقيا. أصبحت نيجيريا، التي تعادل في حجمها ولايات أريزونا وكاليفورنيا ونيفادا، تشكل مصدر إحراج بعد أن كانت في يوم من الأيام أحد أكبر الآمال في قارة أفريقيا؛ لقد أصبحت دولة تعاني من غياب القانون ويديرها مجموعة من البلوتوقراطيين. تتصف نيجيريا بكافة صفات الدولة الفاشلة: لا يستطيع سوى أقل من نصف سكانها، 148 مليون نسمة، الوصول إلى المياه الجارية، حسبما ذكرت منظمة الصحة العالمية وبرنامج المراقبة المشترك لإمداد المياه ومرافق الصرف الصحي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف). وتعاني البلاد من نقص في إمدادات الكهرباء. وتتعرض أنظمة التعليم من مرحلة الروضة إلى المرحلة الجامعية إلى ضربات متتالية. والطرق رديئة، وغالبا ما تكون غير ممهدة ولا يمكن العبور عليها. وتعد الجريمة هي النظام السائد. ولا يحمي ضباط الشرطة النيجيريون البلاد أو يؤدون الخدمة المنوطة بهم، فهم يستخدمون زيهم العسكري في الاستغلال والقمع والابتزاز. وإذا لم تكن الضحايا من طبقة صغيرة هي التي تتمتع بالحماية في البلاد، يكون مصيرهم أحيانا القتل. وتمتلئ الحدود بينها وبين الدول المجاورة مثل النيجر، التي تشتهر بأنها معقل لخلايا «القاعدة»، بالثغرات على نحو ملحوظ. وفي تقرير منظمة الشفافية الدولية، ومقرها برلين، لعامي 1996 و1997، جاءت نيجيريا في المرتبة الأولى في قائمة الدول التي تعاني من الفساد في العالم. وعندما جاءت في المرتبة الثانية بعد الكاميرون في تقرير المنظمة لعام 1998، قال البعض مازحين إن النيجيريين قدموا رشوة إلى الكاميرونيين.

وعلى المستوى الرسمي، فإن نيجيريا دولة اتحادية ديمقراطية. ومنذ تبني نظام الحكومة النمط الأميركي عام 1999، بذلت الإدارة المدنية بعض الجهود لمكافحة الفساد في القطاعين العام والخاص. بيد أن هناك شعورا متناميا بأن الحرب على الفساد كانت مبنية على سياسة انتقائية. ولا يزال الاعتقاد سائدا بأن بعض السياسيين ومديري الشركات وموظفي الدولة رفيعي المستوى الحاليين والسابقين وضباط الجيش وعائلاتهم فوق القانون. ولا تعاني النخبة من أية «معاملات مهينة» خلال الفحص الأمني في المطارات. وبدأ مطار «مورتالا محمد» الدولي قبل عقدين يكتسب سمعة سيئة وينظر إليه على أنه ملاذ للمجرمين الذين يهاجمون أحيانا الطائرات وهي تسير في مدارج المطارات. ويتجول اللصوص في الصالات وأماكن انتظار السيارات يبحثون عن الفريسة. وحتى ضباط الجمارك والهجرة يتحرشون بالركاب لأخذ الرشاوى منهم، وفي بعض الأحيان يهددون القادمين الجدد بالترحيل أو مصادرة بضائعهم. ومن منتصف تسعينات القرن الماضي حتى عام 2000، كانت رحلات الطيران المباشرة محظورة بين الولايات المتحدة ونيجيريا، وذلك بسبب إخفاق الحكومة النيجيرية في الحد من تجارة المخدرات. وبكل تأكيد، حققت نيجيريا تقدما. ففي المطارات، توجد قيود على دخول أفراد غير المسافرين ويتم مراقبة مدارج الطائرات مراقبة وثيقة. بيد أن أحد المعلقين أشار يوم الأحد الماضي في الصحيفة الوطنية النيجيرية «غارديان» إلى أن إجراءات الأمن غير الصارمة في المطارات لا تزال تثير المخاوف. ولا يزال العاملون بالمطارات يمارسون الابتزاز أحيانا ضد المسافرين. وتتم مرافقة الكثير من النخبة وضيوفهم إلى الطائرات دون مطالبتهم بالمرور عبر أجهزة الكشف عن المعادن.

لقد أعرب النيجيريون في أنحاء العالم خلال الأيام القليلة الماضية عن مخاوفهم إزاء محاولة التفجير الفاشلة. وحملت بعض الصحف النيجيرية عناوين مثل «عبد المطلب: رجل ألحق العار بنيجيريا» و«عبد المطلب: العميل النيجيري لـ(القاعدة)». وبالنسبة للعديد من النيجيريين، الذين يقدر عددهم بنحو مليون نيجيري يعيشون في هذا البلد ويملك عدد منهم شركات والبعض الآخر عمال على قدر عال من المهارة، زادت هذه الحادثة من تشويه صورتهم التي كانت مشوهة بالفعل بسبب تهريب المخدرات وعمليات الاحتيال عبر الإنترنت. وأعرب المواطنون في نيجيريا عن قلقهم إزاء فرض القيود على الحصول على تأشيرات. وعلى الرغم من ذلك، فإنني لست من بين الذين يخافون من تداعيات هذا الحادث. وأحلم بأن تؤدي إعادة تقييم إجراءات الأمن داخل المطارات النيجيرية إلى نقاش أوسع حول الأمن في مسقط رأسي. ومن المحتمل أن ينتج عن هذا النقاش الأمني دفعة تجاه تحويل نيجيريا إلى دولة تتمتع بالديمقراطية الحقيقية، والتي يتمتع فيها الرجل والمرأة بالمساواة ويخضع الجميع إلى القوانين نفسها، حتى في المطارات.

* ليكان أوجونتوينبو صحافي حر وأستاذ الصحافة المساعد في جامعة لينكولن في مدينة جيفرسون، ولاية ميسوري

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»