ممكن؟

TT

من المتوقع أن تبادر الأقلام العربية بالسب والنقد والتجريح في إسرائيل وتاريخها الأسود والتشكيك في ثوابتها الاجتماعية والسياسية ودحض الفكرة العنصرية التي قامت على أساسها الدولة الصهيونية بأرض فلسطين، ولكن أن يأتي كل ذلك بأقلام إسرائيلية فهذا «خبر» يستحق الوقوف أمامه وبتمعن كبير.

هناك سلسلة من الإصدارات المهمة جدا التي صدرت بأقلام يهودية وإسرائيلية في أكثر من موضوع جدلي، أهمها هو كتاب «اختراع الشعب اليهودي» بقلم سيلومو ساند، وهو يشكك في خروج «الشعب اليهودي» من أرض فلسطين ومن ثم «عودتهم» لها، ويقول إن اليهود الموجودين الآن هم بقايا من «تهود» واعتنق الديانة اليهودية من الأديان الأخرى وعاد مع الهجرات الأوروبية لفلسطين.

الكتاب الذي صدر بالفرنسية أولا وبعد ذلك بالإنجليزية اعتلى مركز الكتاب الأكثر مبيعا في فرنسا، وفي إسرائيل أيضا، وهو يقدم تشريحا تاريخيا جريئا ليوضح نظريته ويدافع عنها بأساليب مقنعة جدا.

وهناك كتاب آخر لا يقل أهمية عن الكتاب الأول، وهو بعنوان «الإرهاب اليهودي في إسرائيل» وهو كتاب صادر عن جامعة كولومبيا العريقة بنيويورك للكاتبين أيمي بداهزور وأري بيريليغر، ويقدم الكتاب عرضا مريعا لتاريخ الإرهاب الأسود لليهود على الأرض الفلسطينية من قبل الإعلان عن تأسيس دولة إسرائيل، وتشمل هذه الأحداث اغتيالات الضباط الإنجليز وتفجير فندق الملك داود ومجزرة دير ياسين. ويفضح الكتاب العديد من الجرائم التي لم تكن بحق الأبرياء الفلسطينيين العزل ولكن بحق دولة إسرائيل نفسها من قبل المتطرفين اليهود، وكانت أشهر الحوادث في هذا السياق هي اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين. ويظهر الكتاب كيف أن الإرهاب اليهودي في إسرائيل أصبح جزءا من الدولة اليوم بدخول الأحزاب المتطرفة في الحكومات الأخيرة، وكيف أن «المجرمين المطلوبين» من أيام عصابة أرغون بزعامة مناحم بيغن وإسحاق شامير تمكنوا من خداع الناس، وذلك بتحويلهم من مطلوبين للعدالة الدولية إلى رموز سياسية يتم انتخابها من العامة. وهناك كتاب آخر يستحق الاهتمام والمتابعة من تأليف ستيفان سنيقوسكي بعنوان «العصابة السرية المكشوفة»، وهو يغوص في أجندة المحافظين الجدد وتوجهاتهم السياسية في الحروب في الشرق الأوسط وحماية المصالح الوطنية العليا لدولة إسرائيل، ويربط بينها جميعا بشكل مبهر، ويقدم الكتاب الأدلة الدامغة على «ربط» السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط مع مصلحة إسرائيل العليا، وكيف أن ذلك تسبب بشكل مباشر في إضعاف النفوذ الأميركي والإضرار بمصداقية وعدالة الوسيط الأميركي في أي مباحثات للسلام كان يقدم عليها، وكيف أن مصلحة إسرائيل أصبحت أهم محرك للسياسة العسكرية في المنطقة بعد أن كان استقرار أسواق ومنافذ النفط.

هذه ما هي إلا عينة بسيطة من نتاج كبير يصدر الآن من غربيين أميركيين ويهود وإسرائيليين ينتقدون وبشدة السياسات الإسرائيلية والمبادئ الصهيونية المقرفة والعنصرية التي قامت عليها فكرة إسرائيل نفسها، وهذا يأتي أيضا متزامنا مع انطلاق حراك مجموعة «جي ستريت»، وهي قوى ضغط يهودية ليبرالية في أميركا تهدف إلى السلام، وصممت لتجابه نفوذ «غول» قوى الضغط الأكبر والأهم «إيباك» تلك المجموعة اليهودية واليمينية الأميركية المتطرفة التي باتت أكثر قوى الضغط في أميركا فعالية، والمعروفة بمواقفها المؤيدة لإسرائيل بلا منطق ولا عدالة حتى لو كان على حساب مصلحة أميركا نفسها.

إسرائيل تتعرى أمام بعض مواطنيها وأبناء اليهود أنفسهم لتتكشف حقيقة سياساتها الخادعة، التي لا يقبلها منصف ولا شريف. كيف سيستغل عقلاء العرب ذلك ويبنون عليه؟ يبقى السؤال قائما!

[email protected]