اليمن

TT

ليس هذا وقت محاسبة النظام اليمني ولا حتى معاتبته. العكس. الآن هي الساعة الملحة من أجل إنقاذه من مجموعة أخطار ساهم في قيامها، إما في إهمال عربي مألوف وإما في عادة عربية أخرى، وهي إساءة اختيار الحلفاء من أجل استخدامهم ضد الخصوم.

تعنى بعض الأنظمة العربية بشيء واحد، هو نفسها. وبعد سنوات تكتشف، ويكتشف معها الجميع، أن البديل الوحيد هو الفوضى والخراب، ولذلك يهب الجميع إلى المساعدة. لا أحد يريد أن تتكرر تجربة الجزائر. ولا أحد يريد أن يرى عراقا آخر في العالم العربي. ولذلك يجب الفصل بين تذكير النظام بسلسلة السياسات التي أدت به إلى هذا الشفير المثلث: الحوثيين، القاعدة، وتململ الجنوب، وبين الوقوف إلى جانب اليمن كشعب ووطن وتاريخ.

كل عربي يشعر بالإهانة حيال دعوة لندن إلى قمة غربية «لإنقاذ اليمن». هذه مسؤولية يمنية وواجب عربي. لكن كل عربي يشعر الآن بالخوف على هذا البلد العريق، الذي مارست عاصمته العجرفة على الجوار والتعالي على الداخل. لقد وقفت صنعاء، في تعال لا ينسى، مع بغداد المحتلة ضد الكويت المحتلة، في الوقت الذي كان مليونا يمني يرسلون إلى أسرهم جنى الأتعاب في الخليج، وفيما كان مليونان آخران، على الأقل، ينتظران الفرصة للالتحاق بهم. وأضاعت سياسة التعالي سنوات كثيرة وبددت سنوات أخرى في الانتقام السياسي، بدل أن يسارع المنتصر عسكريا إلى عقد المصالحات، ولم الشمل وإعادة المنفيين أو الذين فضلوا النفي.

كان الوصول إلى هذا المأزق المتعدد الوجوه، المتناقض الأبعاد، المتضارب التحالفات، أمرا شبه حتمي ثم صار حتميا. استبعد النظام كفاءات فكرية وسياسية واقتصادية من حوله، فتسرب مشروع الفوضى من النوافذ كما حصل في السودان من قبل، الذي قرر أن يتزعم الثورة العالمية الجديدة بالتعاون مع كارلوس وأسامة بن لادن. وكانت هناك أمور أكثر أهمية وإلحاحا، كالوحدة الوطنية والرغيف والبطالة والنمو والزرع والتقدم، وإفراغ السجون من المعارضين، وإعادة المنفيين من الشتات. فربما كان ـ كما حدث فيما بعد ـ الصادق المهدي والختميين وسواهم، أحق بالسكن في الخرطوم.