كيف تكسب الأصدقاء وتخسر ذاتك؟!

TT

مع بداية كل عام جديد، أحاول ألا أبقي في ذاكرة هاتفي الجوال سوى أرقام الأصدقاء الحقيقيين، فينتابني الخوف من أن تعود ذاكرة هاتفي نقية بيضاء كيوم ولدتها أمها في ذلك المصنع البعيد، باستثناء أصدقاء يعدون على أصابع اليد. ويضطرني الخوف، فأبدأ في تخفيف اشتراطات الصداقة لتشمل آخرين، مثل: نادل المقهى، الذي يختزن لي ابتسامة مخبوءة يستقبلني بها في كل مرة أزور فيها مقهاه، وذلك الرجل الذي يبعث لي كل جمعة برسائل هاتفية تحث على التقوى، ويصلني بعضها في منتصف الخطبة التي تسبق الصلاة، على الرغم من أنني لا أذكر أن ثمة فارقا في التوقيت بين المكان الواحد الذي نعيش فيه. ويقودني تخفيف اشتراطات الصداقة، أيضا، إلى المزيد من التوسع حتى يختلط الصديق، بالصاحب، بالملاطف، بنصف العدو.

وفي محاولة موضوعية لمعرفة المسؤول عن هذا العدد المحدود من الأصدقاء أتساءل: هل هو أنا؟ الآخرون؟ أم الزمن؟

أشعر أننا جميعا في قفص الاتهام..

الزمن؛ لأنه يقودنا بسرعة قصوى أصابت رؤوسنا بالدوار.

الآخرون؛ لأن علاقاتهم تتقلب صعودا وهبوطا، كمؤشر بورصة مجنونة في إحدى دول العالم الرابع.

أنا؛ لأنني جزء من الآخر، إذا ما أدرنا المرآة إلى وجهها الخلفي.

وما دمنا لم نزل في بدء العام، بصرف النظر عن الأيام الخمسة الفارطة - كما يقول أهلنا في المغرب العربي - فدعونا نلعب لعبة العام الجديد. اضغط على قائمة الأسماء في جهاز هاتفك الجوال، ثم ضع من واحد إلى عشرة أمام كل اسم بمقدار ظنك فيه كصديق. اجمع الأرقام بعد ذلك، ولا بأس أن تتدثر بمعطفك الشتوي، فقد تصل النتيجة إلى ما «تحت الصفر».

أعرف أنها لعبة محزنة، فدعنا نسري عن أنفسنا بلعبة أخرى: اضغط من جديد قائمة الأسماء في ذاكرة هاتفك الجوال. ضع كلمة ذكي أو أحمق أمام كل اسم، ثم استخرج مجموع القائمتين، فإن كانت الغالبية من الحمقى فأنت في حالة صعبة، أما إذا كانت الغالبية من الأذكياء فإن الحال أصعب؛ فالحمقى يمكن أن تكتفي بالحذر منهم، لكن من بمقدوره أن يحذر أصدقاءه الأذكياء؟!

أثقلت عليك اليوم، لكنها الدنيا يا صديقي؛ يمكن أن تجد فيها ملابس على المقاس، ونظارات على المقاس، و... على المقاس، لكن من المستحيل أن تجد فيها أصدقاء «على المقاس» أيضا. هي الدنيا - كما أسلفت - عليك أن تعيشها، أو أن تقدم استقالتك لترتمي في أحضان وحدة قاتلة.

[email protected]