بن لادن.. الأسرة المنكوبة

TT

بن لادن ليست مأساة عائلة بل تراجيديا عمت ملايين المسلمين في أنحاء العالم. وحديثا فتحت نداءات أولاده في طهران السؤال عن عائلته، وفي هذا المجال ليس بوسع المرء إلا أن يؤمن بأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وها هم أقرب الناس إليه من أكثر الناس ضررا منه وبسببه، أعني أولاده الذين ظهروا فجأة مثل الأيتام على مائدة اللئام، ينشدون المساعدة والنجدة.

أما لماذا خصت النكبة بن لادن دون غيرها من عائلات أشرار «القاعدة» الآخرين، فالسبب أن اسمها صار علامة تجارية ارتبطت بأسوأ ما حدث للمسلمين في ألف عام. وأسرة بن لادن كانت أول من سارع في اليوم الثاني بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، ووقعت على إعلانات نشرتها في الصحف تتبرأ مما فعله ابنها أسامة من جرائم وتستنكرها بلا لبس. لقد أضر أسامة بن لادن بكل ما له علاقة به، أساء إلى أهله، وألحق الأذى بالسعوديين، على الرغم من أن جنسيته السعودية نزعت منه قبل ذلك بسبب الجرائم التي فاخر بارتكابها، وألحق أعظم أذى بالمسلمين في تاريخهم، وقوى خصومهم عليهم.

وما قد يزيد أهله غصة، المآل الذي انتهى إليه أبناؤه، حيث تركهم يهيمون على وجوههم في أفغانستان وباكستان، وانتهوا أخيرا في معسكرات إيرانية يباعون ويشترون في سوق السياسة! فإذا كان هذا الرجل لم يرع أبناءه، فمن الطبيعي أن يقود أبناء غيره إلى المهالك، وكل ذلك ليس حبا في الإسلام أو دفاعا عن المظلومين - كما يزعم - بل حبا في الزعامة واستهانة بأرواح الناس.

وما قيل دفاعا عن سلوكه لا يبرر الجرائم التي ارتكبها، أو ارتكبت باسمه، وباسم التنظيم الذي بناه. ولا يبرر الظلم الذي تسبب في إيقاعه بالمسلمين في كافة أنحاء العالم. فزعيم «القاعدة» لم يأت مظلوما ولا محروما ولا فقيرا، بل ولد وفي فمه ملعقة من فضة، وعاش في بيت والده الذي كان يحظى بالاحترام. والده رجل عصامي قضى في حادث طائرة خلّف وراءه اسما مجيدا في سوق الأعمال، حتى جاء أسامة وجعل «بن لادن» من أسوأ الأسماء في التاريخ.

إلى اليوم هناك من يظن أن أسامة بن لادن لا يستطيع فعل كل ما ارتكب باسمه واسم «القاعدة»، وهذا أمر لا يهم، لأن الرجل بعظمة لسانه يفاخر بالجرائم ويبررها ويحرض عليها. لا يهم إن كان قد خطط لما وقع من جرائم، أو فقط سمع بها وادعاها، فهي مسؤوليته خاصة أنه على مدى سنين طويلة لم يتراجع مرة واحدة، ولم يتبرأ من جريمة واحدة ارتكبت باسمه. وله تاريخ صار طويلا حيث بدأ سيل الدماء منذ أواخر التسعينات، بعد أن تمكن من الفرار إلى السودان هاربا من حظر السفر عليه في السعودية حيث هاجمها من هناك وصار يتوعدها. تلتها جرائم تقشعر لها الأبدان في مصر والسعودية، وطاف اسمه العالم في انفجارات من إندونيسيا إلى نيويورك.

[email protected]